أن يتدنى السلوك الشخصي وتنحدر لغة الحوار لبعض السياسيين في بلد كان منارة للإشعاع الثقافي والإنساني والحضاري بكل صوره إلى مستوى قلّ أن نجده في بلدان أخرى ليس لها تراث ثقافي وسياسي كالذي كان عليه لبنان، المدرسة الثقافية والسياسية التي انهارت أعمدتها ورموزها الفكرية والسياسية ليصعد بدلاً منها شخوص يمثلون نهج الغابة، حيث تصبح لغة الغاب هي اللغة السائدة ويمارس من فرضته الأحداث والمتغيّرات وهيمنة قوى إقليمية طارئة سلوك متوحش الغابة ورجل الشارع الذي لا يلتزم بأي ضابط أو قانون.
أن يصل الأمر بدولة ما أن يتجرأ شخص سبق له أن كان مسئولاً عن إقرار الأمن والانضباط إلى تهديد رئيس الحكومة ويعلن وفي مؤتمر صحفي كما فعل اللواء جميل السيد مدير الأمن العام اللبناني السابق مخاطبًا السيد سعد الدين الحريري رئيس حكومته بالقول: (يا سعد الحريري، إن لم تأخذ لي حقي فسوف آخذه بيدي)!!
ما هذا القول..؟ هل لبنان غابة يفرض القوي إرادته بالقوة..؟!!
وبأي قوة يتسلح اللواء السابق جميل السيد ليهدد رئيس الحكومة. المؤسف أن شخصًا آخر ممن يمتهن العمل السياسي وجنرالاً سابقًا هو ميشيل عون يؤيد زميله في (الرتبة العسكرية) وفي السلوك المتطرف والخروج على الدولة بدعوته للبنانين بعدم الالتزام بقرارات القضاء والادعاء العام اللذين تحركا وفق القانون ووجها استدعاء للواء جميل السيد لمساءلته عن تهديداته لرئيس الحكومة.
الأكثر خطورة من ذلك أن يشعل حزب الله أجواء الخلاف ليعزز هذا الخروج على شرعية الدولة اللبنانية وهو الذي تزعم قياداته الالتزام بسيادة الدولة في كل تصريح شارد ووارد ويتضامن حزب الله مع تحريضات وتهديدات السيد، ويطالب بعدم التحقيق معه.
ما معنى هذا، هل هؤلاء الذين انتخبهم الشعب اللبناني ليعود له استقراره وتألقه الحضاري، يتحول دورهم إلى التحريض والدعوة إلى مواجهة القوانين ومساندة الخارجين على شريعة النظام أم أن عنتريات اللواء السيد تتوافق مع فكر الجنرال عون وتهديدات حزب الله بإعادة احتلال بيروت إن لم تنفذ الاملاءات الإقليمية العابرة للحدود...؟
أخيرًا هل كل ما يجري من (عنتريات) في لبنان له علاقة بجهود السلام في المنطقة واستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ومحاولة استباقية لإشراك لبنان في هذه الجهود التي تعارضها الجهة الإقليمية التي تساند أفعال رجال الغابة في لبنان؟
***
