تعد قضية (المصطلح) - في مختلف التخصصات- من القضايا الشائكة التي تتطلب (الدقة) و(التحديد) في (المفاهيم) و(الصياغات)؛ نظراً لحساسية (المصطلح) معنى ومبنى، ولارتباطه الشديد والوثيق بمفاهيم كثيرة تتصل بالجنس أو النوع الذي يحدده (المصطلح) ويترجمه.
ف(للمصطلح) دورٌ أساسٌ وأثرٌ فعَّالٌ في (تكوين المعرفة)، ولا يمكن أن تنهض أي (ثقافة) ويستقيم صرحها إلا إذا كانت قادرة على (إنتاج معرفة) خصبة جديدة، توجهها (اصطلاحات) واضحة الدلالة، وبالمقابل فإن هذه (الثقافة) نفسها مُعرَّضةٌ لل(تقويض) و(التفكك) لأسباب كثيرة؛ من أبرزها (اضطراب دلالة المصطلح) و(تكاثر المصطلحات) و(تعارض مفاهيمها) و(عدم استمرارها)، ولذلك فقد قيل «إنَّ منزلة (المصطلح) من (العلم) هي بمنزلة (الجهاز العصبي) من الكائن الحي، عليه يقوم وجوده، وبه يتيسر بقاؤه، إذ إنَّ (المصطلح) وحدة نظريات (العلم) وأطروحاته».
لقد أصبح الاهتمام ب(المصطلحية) مركزاً مهماً في (الأبحاث)؛ وذلك لما لها من دور محوري في (ضبط التعامل) في الحياة اليومية والعملية، وفي بناء (النظريات) و(المناهج) في الحياة العلمية، ويتجلّى هذا الاهتمام في مناحٍ عدة أبرزها (التآليف اللغوية)، و(القواميس) و(المعاجم) و(الكتب المختصة)، ثم إنَّ (المصطلح) هو (روح النص العلمي)، ولن يتأتى (التفهم) له و(التطوير) إلا بتحديد (مفهومه) و(دلالته) عن طريق (التخطيط) له و(تنسيق) نشاطه و(توحيده) و(تنميطه) و(تعريفه)، ولا شكَّ أنَّ (الحقول المعرفية) تتحدَّد بتحديد (دلالات مصطلحاتها) و(استقرار مفاهيمها).
كما أنَّ وجود (المصطلح) في العلوم والآداب يجعلنا على صلة مستمرة وحيَّة بالعلوم والمعارف، خصوصاً إذا كانت هناك (علاقة) بين الاسم والمسمى، ف(المصطلحات) هي (مفاتيح العلوم) و(أدوات نقلها)؛ ولذلك فلا غرو أن نجد ذلك الاهتمام وتلك المعاناة من المختصين في سبيل إيجاد (مصطلحات) ثابتة للأشياء المستحدثة.
إنَّ عدم توفر (المصطلح) يؤدي إلى صعوبة (التواصل) بين (البيئات العلمية) التي لا بد لها من (مصطلحات) متخصصة في بيئتها كما هو الحال في بيئة (الأدباء) و(النقاد)، ولا شكَّ أن هذا يقود إلى انخفاض واضح في (إنتاجية) هذه القوى، على حين أنَّ قبول (المصطلحات) والعمل بها يؤدي إلى (خلق بيئة) عملية ناجحة.
إنَّ تحقيق (ثبات المنهجية) و(وضوح الاختصاص) و(صرامة الأدوات الإجرائية)، كل هذه الأمور التي يُفترض أن تتحقق في (العلم) أو (الحقل المعرفي) هي في الحقيقة مرهونةٌ ب(رواج) (المصطلح) و(شيوعه) و(تقبل) الباحثين والمهتمين له، فمن خلال كل ذلك يستطيع المرء تناول موضوعه بالدرس والتحليل، وهو مطمئن إلى النتائج التي يصل إليها تحليله، كما أن ذلك يمتد إلى (خلق وحدةٍ) بين فئات المجتمع المختلفة، فإذا وُجد (المصطلح) الموحَّد وُجدت بيئة متماسكة متقاربة، سواء كانت تلك البيئة سياسية أو علمية أو ثقافية أو غيرها، فوجود (المصطلح) العربي الموحد - أياً كان مجاله- يلغي الفوارق (اللغوية) و(الاصطلاحية) بين أقطار العالم العربي، وهذا يؤدي إلى أن يكون من أبرز (العوامل) التي تسعى إلى تحقيق الوحدة المنشودة.
إنَّ الاهتمام ب(المصطلح) ووجود (معاجمه) المتكاملة في كل مجال يقضي بلا شك على الشعور ب(العجز) و(التخلف) و(الانهزامية) عن (اللغات) الأخرى ذات (المصطلحات) العلمية العالمية، ويقضي كذلك على تلك المزاعم القائلة بأنَّ (العربية) تراجعت عن دورها (الحضاري)، ولم تعد قادرة على (استيعاب) العلوم التي تراكمت (مصطلحاتها) يوماً بعد يوم، فعن طريق بناء (المصطلح) و(صياغته) و(توحيده) و(نشره) يتم القضاء على (الفوضى) و(الاضطراب) اللذين يعمان أعمالنا وأفكارنا (العلمية) و(الأدبية).
وإذا كان ما سبق يكشف عن (الأهمية القصوى) التي يحتلها (المصطلح) في مساحات العلوم والمعارف، فإنَّ هذه الأهمية تزداد إذا كان الحديث عنه يتم في سياق الدراسات (الأدبية) و(النقدية)؛ ذلك أنَّ له دوراً حاسماً وفاصلاً في تحديد كثير من (المفاهيم) المتداخلة أو المتشابهة، كما أنه يضطلع بدور محوري ومؤثّر في ضبط (المفهوم) والتفريق بينه وبين الآخر، سواء أكان ذلك في سياق دراسة نقدية (تنظيرية) أم (تطبيقية).
وحين يكون الحديث عن (المصطلح) (النقدي) و(الأدبي) فإنَّ أكثر ما يلفت النظر في هذا السياق عدم غنى (المكتبة الأدبية) بالمنجزات التي تتناول (المصطلحات) (النقدية) و(الأدبية) التراثية، فهي قليلة نسبياً؛ ربما لأنَّ التأليف فيها يحتاج إلى (وعي قرائي)، و(ثقافة تراثية موسوعية)، و(إلمام منقطع النظير) فيما يتعلق بكثير من القضايا (الأدبية) و(النقدية) التراثية، ومثل هذا الأمر يتطلب جهداً شاقاً بلا شك.
واللافت هنا أنَّ (تراثنا العربي) لا يشكو إطلاقاً من قلة (المصطلحات)، إذ إن هناك (تراثاً عربياً) يتمثَّل فيما يزيد على (ألف وخمسمائة) (مصطلح) (أدبي) و(بلاغي) و(نقدي)، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا (التراث المصطلحي الضخم) يواجه عدداً كبيراً من (المشكلات) التي تجعل المتأمل له يواجه كثيراً منها حين (مقاربة النصوص الإبداعية) أو (قراءة الممارسات النقدية) حول تلك النصوص.
Omar1401@gmail.com