لن ينتهي الحديث حول الراحل الكبير الدكتور غازي القصيبي (1960-2010م) لتبقى مسودات أعماله التي لم تر النور، بما فيها وثائقه وخطاباته ونصوصه، مسؤولية أسرته. وإذا كنا قد قرأنا سيرة القصيبي الشعرية والإدارية والحياتية مجتمعة أو متفرقة في كتبه كما في (حياة في الإدارة والمواسم والوزير المرافق وغيرها) فإن سيرته كما يراها المجايلون والملتصقون به ستكون ذات دلالة مهمة على كبير مرَّ في حياتنا الإدارية والثقافية واستقر فيها، ولعل معالي «الوزراء» الدكتور عبدالعزيز الخويطر أقرب الناس إليه في الجانب الإنساني والوظيفي على حد سواء؛ فقد ابتعث القصيبي للدراسات العليا في زمن إدارة أبي محمد لجامعة الملك سعود (وكيل الجامعة كما كان يسمى حينها)، وتزاملا في مجلس الوزراء واللجنة العامة للمجلس واللجان الوزارية المتعددة والرحلات الرسمية، وكان القصيبي رحمه الله ينيب الخويطر عنه في أعمال وزاراته، والخويطر على اطلاع على كثير من شؤون القصيبي الخاصة، ويحفظ معظم شعره الإخواني، ويدرك عن قرب اهتمامات القصيبي المعرفية الدقيقة، وكانا يتبادلان الكتب والمقالات والنصوص، ولا شك أن للقصيبي أصدقاء مقربين آخرين، ومنهم:الدكتور سليمان السليم والدكتور علي بن طلال الجهني والأستاذ عبدالرحمن السدحان، وعليهم مسؤولية كتابة سيرهم العملية قبل سير غيرهم، ولو لم ينشروها الآن. وثمة آخرون خارج المجال الوظيفي؛ ليبقى الخويطر، الأكاديمي والمؤرخ والوزير وشاهد المرحلة، المرشح الأول والأولى؛ ففي توثيقه تسجيل لتاريخ شفهي ثقافي وإداري مهم، وفي سجالاتهما العلمية «البَيْنية» ما يصلح منطلقا لمناطق استكشاف بحثية، وبخاصة ما يتصل بالتاريخ والتفسير، وبما عرف عن الخويطر، وهو الهرم الإداري والعلمي الشامخ، من موثوقية ورزانة وتثبُّتٍ وهدوء ومصداقية، أطال الله عمره ونفع بعلمه وعمله.
الدكتور الخويطر لا يخفي تأثره الشديد برحيل القصيبي حتى بعد مرور فترة على ذلك، ويستعيد مشروع «أبي يارا» لتفسير القرآن الكريم، وإعجابه بتفسير الشيخ عبدالرحمن السعدي (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)، ويروي - بإعجاب - معرفة القصيبي الثرية بأسرار القرآن وإعجازه وحكمه وأسباب نزوله وأصول تفسيره، ويبقى أبرزَ من يُعَزّى بفقدانه؛ فذاكرة المكان والقلب والكلمة ستبقى مَعْلمًا يجمع الكبيرَيْن.