الجزيرة- د. حسن الشقطي:
يُعدُّ صندوق التنمية الصناعية السعودي الحاضنة الأولى للقطاع الصناعي المحلي، حيث يلعب الدور الرئيس في تحقيق أهداف وسياسات برامج التنمية الصناعية بالمملكة، من خلال تقديم الدعم المالي المباشر لإقامة استثمارات صناعية يتم تقييمها واختيار أنسبها من حيث الجدوى الاقتصادية والسوقية والفنية والمالية.
ويلعب الصندوق دورًا مهمًا في تنظيم توجيه القروض والاستثمارات المدعومة منه إلى القطاعات والأنشطة المطلوبة وذات الأولوية للاقتصاد الوطني..
وتقوم فلسفة الصندوق على مبدأ أنه ليس العبرة بأن يكون النشاط ذا جدوى لصاحبه فقط، ولكن الأهم أن يكون ذا جدوى للاقتصاد الوطني ككل.. لذلك، يقوم الصندوق من آن لآخر بتحديث القطاعات والأنشطة المفتوحة والمغلقة أمام قروضه.
وقد نجح الصندوق على مدى فترة زمنية تصل إلى 36 عامًا في ترسيخ أنماط استثمارية فعالة ومفيدة للاقتصاد الوطني، حتى وصل إجمالي عدد القروض الصناعية التي اعتمدها الصندوق منذ تأسيسه وحتى نهاية عام 1430 - 1431هـ حوالي 3131 قرضًا، بإجمالي قيمة معتمدة وصلت إلى حوالي 80.8 مليار ريال..
وبلغت إجمالي قيمة القروض المنصرفة منها حوالي 52.9 مليار ريال، في حين بلغ إجمالي المسدد منها حوالي 32 مليار ريال. ولكي نقدم صورة حقيقية عن حجم إنجازات الصندوق، فإنه لا يخفى على أحد الدور الذي لعبه الصندوق في إنشاء أو المساعدة على إنشاء أو توسعة أو تحسين قطاع الصناعات الكيميائية تحديدًا، وهي من الصناعات ذات رؤوس الأموال المرتفعة، التي تتطلب المشاريع الفردية فيها دعمًا ماليًا مباشرًا، حيث جاءت القروض المقدمة لهذا القطاع في المرتبة الأولى إجمالاً.. فقد وصل عدد المشاريع الكيميائية التي أسهم فيها الصندوق منذ تأسيسه إلى حوالي 547 مشروعًا بقيمة تمويلية تصل إلى 31.4 مليار ريال، أي أن متوسط تمويل المشروع الواحد وصل إلى حوالي 57.4 مليون ريال تقريبًا، وهي قيمة مرتفعة لمتوسط القروض.
وبجانب البرنامج الأساسي لتمويل المنشآت الصناعية أسس الصندوق برنامج كفالة لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ذلك البرنامج الذي على وشك إتمام عامه الخامس.. وقد بلغ إجمالي عدد الكفالات التي اعتمدها البرنامج منذ انطلاقه مع بداية العام 1426هـ - 1427هـ وحتى نهاية عام 1430 - 1431هـ حوالي 1110 كفالة بقيمة تمويل إجمالية بلغت حوالي 449 مليون ريال سعودي، مقابل اعتمادات تمويل قدمتها البنوك تحت مظلة البرنامج بمبلغ 1.070 مليون ريال سعودي، لصالح عدد 769 منشأة صغيرة ومتوسطة، وذلك كما جاء في التقرير السنوي للصندوق.
وبالرغم من حالة التميز في أداء الصندوق خلال الفترة الماضية، وبالرغم من إنجازاته التي يشهد بها كافة المتابعين للقطاع الصناعي، إلا أن الآونة الأخيرة شهدت ظهور طبقة من المبعدين من شباب الصناعيين الذين يمتلكون أفكارًا صناعية رائدة، بعضها تصل إلى مرحلة ابتكارات جديدة، بعضهم سجلها كحقوق ملكية فكرية خاصة بهم سواء داخل المملكة أو خارجها، هؤلاء الرواد من أصحاب الأفكار الإبداعية للأسف أنهم لا يزالون خارج اهتمامات الصندوق، فبالرغم من أن أفكارهم صناعية بحتة، فإنهم لا يجدون من يساعدهم في إعداد دراسات جدوى تفصيلية لها.
ولسوء الحظ، فإن هؤلاء لا يستطيعون الاقتراب من فكرة التقدم للصندوق نظرًا لاشتراطين يضعهما الصندوق كنصوص ضرورية يجب استيفاؤها للتقدم للحصول على تمويل منه، هما:
(1) ضرورة التقدم بدراسة جدوى اقتصادية وسوقية وفنية ومالية شاملة وتفصيلية عن المشروع.
(2) ضرورة استيفاء المقترض لنسبة 55 في المئة من قيمة رأس مال مشروعه. وكافة الصناعيين والمستشارين الاقتصاديين يعلمون مدى صعوبة وتكلفة إعداد دراسة جدوى اقتصادية للتقدم لصندوق التنمية الصناعية..
ونظرًا لارتفاع تكلفة إعداد هذه الدراسات، فإن كثيرًا من كبار الصناعيين يُحجم عن إجرائها خوفًا من ضياع تكاليف إجرائها عند قيام الصندوق برفض التمويل.. فإذا كان هو حال كبار الصناعيين، فما بالنا بشباب الصناعيين الذين لا يمتلكون سيولة تكفي لإجراء مثل هذه الدراسات التفصيلية. وإذ نقترح في هذا السياق قيام الصندوق الصناعي بإنشاء وحدة متخصصة لشباب الصناعيين من أصحاب الأفكار المبتكرة، وبخاصة من مالكي حقوق الملكية الفكرية.. هؤلاء أولى بالرعاية والاهتمام، وينبغي استثناؤهم من اشتراط إعداد دراسة جدوى تفصيلية، لأنه ليس في استطاعتهم توفير تكاليف إعدادها التي لا تقل غالبًا عن مائة ألف ريال.
أما الاشتراط الثاني، فهو ينص على ضرورة أن يقوم كل شاب من صغار الصناعيين بتمويل ما يعادل 55 في المئة من رأس مال مشروعه ذاتيًا، وهذا الشرط يتسبب في صعوبات ومعوقات كبيرة لكافة الصناعيين، وبخاصة الجادون منهم الذين يمتلكون مشاريع ذات جدوى وأهمية لهم وللاقتصاد الوطني، لأن هذه النسبة التمويلية تُعدُّ مرتفعة للغاية لكي يقوم المقترض بتمويلها ذاتيًا.. وإذا كان هذا هو الحال لكبار الصناعيين، فما بالنا بصغار الصناعيين الذين لا يمتلكون إلا أفكار مشاريعهم..
أيضًا هذا الاشتراط ينبغي التفكير في استثناء صغار الصناعيين منه لأنهم أحوج ما يكونون لتدبير كامل رأس مال مشروعهم حتى يتسنى لهم البدء، بل إن هذا الاشتراط ينبغي استثناء كل صناعي جاد منه ويقدم فكرة ذات جدوى للاقتصاد الوطني ككل.
البعض قد يرد بأن هناك برنامج كفالة يمكن أن يساعد هؤلاء في تنفيذ مشاريعهم، ولكن ينبغي الرد على هذا القول بأن هؤلاء المبدعين من صغار الصناعيين يحتاجون للصندوق الصناعي بخدماته الشاملة، ولا نقول لخدمة التمويل الصناعي فقط، ولكن نقول خدمات الاستشارات والدراسة والتحليل والتوصيف والتصميم الفني وغيرها لمساعدتهم على بلورة أفكارهم في شكل اقتصادي ومقبول..
أما برنامج كفالة فينبغي توضيح أن كثيرًا من الصناعيين يعدّه أشبه بالتمويل المصرفي البحت، ينصرف عليه ما ينصرف على التمويل المصرفي من مزايا وعيوب.. وهو خدمة غير كافية لشباب الصناعيين المبدعين.