كنت أخشى أن يمر بي مثل هذا اليوم فأرتفق طريقاً لا مُقمر ولا ونيس.
كنت أخشى أن تستعصي عليَّ الكلمة، وأن يتوه يراعي بين أصابعي.. إذ لا يمكن في حال كهذه أن توصف بأنها حال إنسان قد مات.. وهذه مرثيته..
الحال هنا مفرد لأن صاحبها مفرد.
كان لابد لغازي أن يموت
لم يعد جسده يطيق كل تلك اللوعات التي كانت تشتعل فيه فتحرقه وتحرق ما حوله.
كان يتفاعل مع كل حدث فينتج من أروع ما كتب الإنسان ونظم.. ولهذا كان لابد له أن يموت كل يوم مع كل حدث.. ولأنه كان ثرمومتراً لسلوك البشر يرتفع زئبقه حتى يكاد يتفجر الميزان كلما قسا الإنسان على الإنسان، أو استشرى الظلم، أو وئدت الحقيقة وهي حية تتنفس وتستغيث، كان لابد له أن يموت.
وكان بطبعه عدواً للبغي والطغيان.. أبكته فلسطين، وأبكته الكويت، وأبكته الأم الجائعة.. والبنت الشريدة، وتلك التي فجرت نفسها.
وما كان ذلك القلب المتأجج بكل ذلك اللهيب متفحماً بل كان حياً يستسقي الحب ويتغذى بالجمال.. ويقول لنا كل تلك الدرر التي تصف الحياة بأنها تستحق أن تحيا.
ومع ذلك كان لابد لغازي أن يموت.
لأنه كان يملك قلباً يصفق في قفص صدره يريد أن ينطلق إلى الحرية، وكلما خرج من قفص صدره اصطاده الصيادون.
وهكذا مات غازي.. ولكنه ترك لنا سيرة لن تُنسى وأثراً خالداً في دفتر الحياة.
وكان زميلاً صدوقاً..
وكان صديقاً وفياً..
وكان من ذلك النوع الذي يموت لكي لا يموت.
له الرحمة.. كل الرحمة مع أرحم الراحمين.