تتعدد دلالات مصطلح الرمز الثقافي cultural icon الى الدرجة التي يصعب فيها الوصول إلى تعريف واحد متفق عليه فقد يكون هذا الرمز شيئا أو مكانا أو شخصاً يحمل درجة كبيرة من الأهمية والشهرة في المجتمع الذي يتواجد فيه هذا الرمز. هناك مجموعة من الأشخاص المؤثرين في المجتمع من خلال نشاطاتهم الكثيرة والمفيدة والتي خلقت نوعا من التعاطف الجماعي معهم إلى الدرجة التي يصعب على المجتمع إنكار أدوارهم التاريخية حتى ولو كانوا في عداد الموتى. مثل هؤلاء يمكن اعتبارهم رموزا ثقافية.
يمكن النظر أيضاً إلى الملك عبدالعزيز ونيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينج والمهاتما غاندي، على سبيل المثال لا الحصر، كرموز ثقافية في الساحة العالمية أثّرت في المجتمعات التي عاشوا فيها حيث نقلوها من حالة سلبية معينة إلى حالة إيجابية أخرى.
أيضا، يقع داخل دائرة مصطلح الرمز الثقافي أشياء كثيرة ذات أبعاد ثقافية مؤثرة في أي مجتمع مثل تمثال الحرية، أو حتى الشريط الهندسي الحلزوني الرائع للحمض النووي DNA.
لكن، لو أخذنا أحد المعاني التي يمكن استنتاجها من مصطلح الرمز الثقافي وليكن مثلاً الشخصية الأبرز في الساحة الثقافية في المملكة العربية السعودية، فإنه وببساطة سيكون الشاعر غازي القصيبي وبلا منافس للأسباب التالية :
أولا، الجانب الإبداعي الذي يتمتع به غازي القصيبي حيث برع في كتابة الشعر، اللون الأدبي الأبرز، على الأقل في الثقافة العربية. لقد كانت قصائده من القوة بحيث يمكن أن تحرّك الأروقة السياسية العالمية كما حدث إبان عمله كسفير في لندن.
ثانيا، لم يكتف غازي القصيبي بإبداعه الشعر، بل إنه فتح الطريق أمام المبدعين السعوديين في كتابة الرواية حيث يمكن اعتبار روايته « شقة الحرية « أول عمل روائي سعودي حقيقي حيث توالت بعدها الروايات السعودية بشكل كبير وزائد إلى الدرجة التي قالت فيها الكاتبة أحلام مستغانمي: إننا الآن أمام تسونامي روائي سعودي جديد. القصيبي، ببساطة، هو من فتح الطريق إلى عالم الرواية وشجع المؤلفين السعوديين بالمضي قدما في هذا الاتجاه عندما أصدر أيضاً روايته الثانية «العصفورية « كاسرا بذلك الحاجز الروائي تماما أمام المبدعين السعوديين.
ثالثا، تعدت مواهب القصيبي الشعر والرواية إلى كتابة المقال المؤثر في الساحة السياسية والثقافية حيث كانت زاويته « في عين العاصفة « إبان احتلال العراق للكويت جبهة عسكرية وسياسية وثقافية واجتماعية تكلم فيها القصيبي بشجاعة نادرة وتحليل رصين عن كل ما يدور في ذهن المواطن العربي البسيط الذي يتحرى العدل والحق والموضوعية. يمكن أيضاً النظر إلى تلك المقالات على أنها النبراس الذي اهتدى إليه الكتّاب السعوديون في زواياهم التي تمتلئ بها الصحف السعودية اليوم متخذين، دون أن يشعروا وبشكل غير مباشر، القصيبي قدوة لهم.
رابعاً، الموهبة الإدارية النادرة التي جعلت منه شخصية عامة منذ توليه حقائب وزارية متعددة تضم مئات الآلاف من الموظفين شملت وزارات الصناعة و الكهرباء والصحة والمياه والعمل، هذا بالإضافة إلى عمله كسفير لأكثر من خمس عشرة سنة. هذه الخبرات المتعددة هي التي جعلت القصيبي يصرح إبان ترشحه لليونسكو وبكل ثقة: « لا أحد في تاريخ اليونسكو يمتلك هذه الخبرات ! «. أيضاً، يمثّل كتابه «حياة في الإدارة «، والذي طُبع أكثر من مرة، نبراساً هو الآخر لكل إنسان يريد أن يمتهن العمل الإداري في المملكة.
خامسا، كفاحاته الفكرية التي جعلت منه حديث الساحة المحلية لسنوات عديدة حيث كان يحترم خصومه ويقدّر اختلاف الرأي ويبتعد عن اللغة التي تؤذي مشاعر القارىء أو المستمع.
كل ذلك وغيره كثير يجعل غازي القصيبي رمزا ثقافياً بلا منافس !
رحم الله الدكتور غازي وجبر مصيبتنا في فقده.