كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز حكيماً في صبره وتأنيه وتعامله مع من يجادل في علم الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير مثلما عودنا دائماً، فإذا به وقد نفد صبره وطال به الانتظار ولم ينفع معهم نصحه يصدر أمره الملكي القوي والرادع لكل من تمادى من المتطفلين على مائدة الفتوى كائناً من كان.
***
هذا هو عبدالله بن عبدالعزيز الفارس القوي الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم يعلن عن غضبه وألمه ومن أنه لن يتهاون بعد الآن في شأن يتعلق بديننا ووطننا وأمتنا وسمعة علمائنا ومؤسساتنا الشرعية بإصداره أمره الملكي بحصر الفتوى في هيئة كبار العلماء ومحاسبة من يفتي عن غير علم من المتطفلين.
***
لقد طال انتظاره في تأجيل المحاسبة والجزاء الشرعي الرادع لكل هؤلاء الذين يفتون دون علم، بأمل أن يصغوا إلى النصيحة ويستجيبوا للتوجيهات، فإذا به أمام مصلحة الدين والوطن والأمة يعلن بأنه لن يرضى بأي تساهل فيها قل أو كثر وأنه لن يتسامح مع هؤلاء.
***
هذا إذاً هو عبدالله بن عبدالعزيز الملك الذي إذا قال فعل، يتصدى لمن يجادل في دين الله بغير علم سواء من المتطفلين على مائدة الشرع أو ممن حمل آلة تساعد على طلب العلم ولكنها لا تؤهل لاقتحام هذا المركب الصعب، فضلاً عمن لا يملك آلة ولا فهماً كما يقول الأمر الملكي الكريم.
***
وأمر الملك عبدالله لم يأت من فراغ، وإنما جاء بعد أن تابع خادم الحرمين الشريفين بنفسه قيام نفر من الناس بالفتوى والدعوة والإرشاد وقضايا الاحتساب متعدياً بذلك على صلاحيات المؤسسات الشرعية، وهو ما دعا خادم الحرمين الشريفين إلى أن يتعامل مع هؤلاء بدءاً من الآن بالحزم وردهم إلى جادة الصواب وإفهامهم باحترام الدور الكبير الذي تقوم به مؤسساتنا الشرعية وفق ما نص على ذلك الأمر الملكي.
***
والملك عبدالله في أمره الملكي لا يلغي مبدأ الاختلاف بين العلماء في أقوالهم، لكنه شدد على أن تباين أقوال أهل العلم ينبغي أن يكون في نطاق هيئاتهم ومجامعهم العلمية والفقهية، وهو بذلك إنما يريد ألا يخرج للناس من يفتنهم بدينهم ويشككهم في علمائهم، مثلما هو مشاهد وملموس، من خلال هذا التسيب في إصدار الفتاوى ممن لا يملكون التأهيل العلمي والشرعي الذي يخولهم بذلك.
***
لقد حسم الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأمر بالقول: إن الجلبة واللغط والتأثير على الناس بما يشوش أفكارهم ويحرك سواكنهم ويتعدى على صلاحيات مؤسساتنا الشرعية ويسلبها صلاحياتها ويفرغها من محتواها، إنما هو دعوة واضحة للفوضى والخلل، يقوم بها بعض خطباء المساجد ومثلهم من أسندت إليهم ولايات شرعية، وكذلك من يكتب عرائض الاحتساب للمسؤولين فيما بينه وبينهم ثم يعلن عنها على رؤوس الأشهاد مخالفاً بذلك أدب الإسلام.
***
وضمن هذا الموقف الحازم والقوي فقد رغب خادم الحرمين الشريفين في توجيهه لسماحة المفتي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، والرفع له عمن توجد فيه الكفاية والأهلية التامة للاضطلاع بمهام الفتوى للإذن لهم بذلك، مؤكداً بأنه سيتابع ما ذكر ولن يرضى بأي تساهل أو تهاون أو تقاعس، بمعنى أن التنفيذ لكل ما ورد في الأمر الملكي سيكون محل اهتمام الملك عبدالله ومتابعته للقضاء على هذه الظاهرة المسيئة للإسلام.
***
هكذا إذاً هو الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أمس واليوم وغداً، أبوة حانية، وإرادة قوية، وعزم لا يلين، وموقف صارم في كل شأن يتعلق بديننا ووطننا وأمتنا وسمعة علمائنا ومؤسساتنا الشرعية التي هي معقد اعتزازنا واغتباطنا كما نص على ذلك أمره الكريم، وبقدر ترحيب الناس بهذا الأمر الملكي، فإن الأمل بأولئك النفر الذين ألفوا أن يفتوا للناس من غير علم، أن يتوقفوا خدمة للإسلام والمسلمين وحماية لأنفسهم من العقاب الصارم الذي ينتظرهم إن هم إستمروا على غيهم.