احتلت المملكة المركز الثامن عالمياً والأول عربياً في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال العام 2009، حيث بلغت التدفقات الأجنبية الداخلة 133 مليار ريال، ما أدى إلى ارتفاع إجمالي الاستثمارات الأجنبية إلى 552 مليار ريال بنهاية العام الماضي.
تعمل الهيئة العامة للاستثمار جاهدة لتحقيق مركز متقدم في التنافسية العالمية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وما تحقق من نجاحات يمكن أن يعزى إلى تحسن المناخ الاستثماري الداخلي الذي أسهمت الهيئة في تغيير مساره ليُصبح مناخا جاذبا بعد أن كان طاردا لأسباب بيروقراطية صرفة. أعتقد أن جهد الهيئة الأكبر كان منصباً على تحسين الإجراءات الحكومية التي كانت تمثل العقبة الرئيسة في تحقيق تنافسية المملكة على المستوى العالمي. القضاء على بيروقراطية الإدارات الحكومية ذات العلاقة بالشركات والمستثمرين الأجانب، وتوحيد الإجراءات، وإنجازها في مدة زمنية قصيرة، وفي مكان واحد ساعد في تحسين البيئة الاستثمارية، وبالتالي زيادة التدفقات الواردة. القضاء على البيروقراطية، ووضوح الأنظمة والقوانين ومعاملة الجميع بتشريع واحد هو ما يحقق الكفاءة والنجاح، ليس في جانب الاستثمار فحسب، بل في جميع نواحي الحياة.
الأرقام المُعلنة تباعا تؤكد نجاح الهيئة العامة للاستثمار، وفق أهدافها المرسومة والمعلنة، إلا أن النجاح يمكن أن يكون نسبيا إذا ما ربُط بالإمكانات المتاحة، أو قُورِنَ بنماذج النجاح المماثلة في المنطقة، أو وُضِعَ ضِمن المشهد الاستثماري العام، لا الخاص!، كما أن نجاح الهيئة لا يمكن أن يُلغي نجاح جهات أخرى كان لها تأثير مباشر في عقد شراكات صناعية إستراتيجية بعشرات المليارات دون أن تمر من خلال الهيئة العامة للاستثمار.
التقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية المتعلق بالاستثمار العالمي لعام 2010 أكد على أن المملكة، وبرغم الأزمة المالية العالمية «واصلت تحقيق نتائج قياسية في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة مقارنة بدول متقدمة»، ولكن التقرير أشار إلى أن السعودية « تملك إمكانات كبيرة في جذب الاستثمارات تفوق ما تحقق فعليا» أي أننا نتحدث عن نجاح لا يتوافق مع حجم الإمكانات المتاحة، ما يمكن أن يُعتبر قصورا في الأداء العام.
حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى السعودية، تضمنت بعض التفاصيل المهمة، حيث احتلت الولايات المتحدة المركز الأول في التدفقات الداخلة بحجم استثمارات 22 مليار ريال، ثم الكويت بـ16 مليار ريال ثم الإمارات باستثمارات واردة قدرت بـ14 مليار، وفرنسا بحوالي 10 مليارات ريال، وأخيرا اليابان بحوالي 8 مليارات ريال. البيانات السابقة تحتاج إلى مزيد من التحليل الذي يساعد على تنمية العلاقات التجارية، وزيادة الاستثمارات مع تلك الدول على وجه الخصوص؛ وتحتاج أيضا إلى دراسة متعمقة تؤدي إلى كشف أسباب غياب بعض الدول الصناعية الرئيسة عن قائمة التدفقات الاستثمارية الواردة. احتلال دولة الإمارات العربية المتحدة المركز الثالث في حجم التدفقات الواردة ربما يدحض ادعاءات بعض رجال المال والأعمال السعوديين المتعلقة بالمناخ الاستثماري المحلي، وتهديدهم المستمر بالهجرة إلى دبي، التي يبدو أن محترفي الاستثمار فيها يفضلون السوق السعودية على الأسواق الأخرى، وربما سوقهم المحلية!.
احتلال دولتين خليجيتين المركز الثاني والثالث في التدفقات الاستثمارية الواردة يعكس حجم الملاءمة المالية في المنطقة، والرغبة الاستثمارية الجامحة التي تبحث عن مناخ استثماري تنافسي تدعمه الدولة ويتميز بالاستقرار والانفتاح، وهو ما يحتاج من الهيئة إلى عمل منظم لاستقطاب مزيد من الرساميل الخليجية التي ستجد في السوق السعودية الفرص الاستثمارية المتنوعة، والواعدة.
أخيرا أعتقد أن نجاح هيئة الاستثمار المحقق على مستوى الاستثمارات الأجنبية يحتاج إلى استنساخ في الجانب المحلي بحيث يحصل المستثمر السعودي على المزايا التنافسية المقدمة للمستثمر الأجنبي؛ وبدلاً من أن تكون لدينا جهات متفرقة لخدمة المستثمر بحسب جنسيته، فمن الأفضل أن تهتم الهيئة العامة للاستثمار بجميع المستثمرين وأن تكون لديها معايير استثمارية محددة تجعل كل من يحوز عليها منضوياً تحت مظلتها. مثلما تبحث الهيئة عن جذب الاستثمارات الأجنبية فهي مطالبة أيضا بتوطين الاستثمارات السعودية، وإعادة المهاجر منها للوطن. الأموال السعودية قد تغني عن الاستثمارات الأجنبية، وإن كنت أعتقد أن الاستثمارات الأجنبية لا تقف عند حد المال بل تتجاوزه إلى الخبرات التي تبحث عنها الدول الصناعية المتقدمة قبل الناشئة. المستثمر السعودي في حاجة ماسة إلى مظلة تحمية من بيروقراطية الإدارات الحكومية، أسوة بالمستثمر الأجنبي، ولعل هيئة الاستثمار تصبح مستقبلا أكثر شمولية في تعاملها مع القطاع، وأكثر فاعلية في تنمية ودعم المستثمر السعودي وحمايته بعد أن نجحت في تحقيق بعض أهدافها الخارجية.
«الحقران يقطع المصران!»
«الحقران يقطع المصران!» عنوان مقالة متميزة كتميز كاتبها الأخ خالد حمد السليمان، نُشرت في «عكاظ» أتمنى أن يقرأها كل كاتب رأي ومحرر، ومسؤول في الإعلام السعودي. فكثير من النقد الموجه للمملكة لم يحدث إلا بسبب ما كتبه، ونقله إعلاميوها. وكثير من الفتاوى الشاذة لم تنتشر إلا بسبب الإعلام. النقد المسؤول يعني في بعض جوانبه احترام الثوابت، والتمعن في المآلات، وترك الشاذ من الأقوال والأفعال الفردية التي ربما استخدمها البعض مطية للوصول على أكتاف الإعلام والإعلاميين. نقد الأقوال والأفعال الفردية المجهولة في وسائل الإعلام تعني بكل بساطة تسويقها للآخرين. النار وإن عَظُمَت تَخمد بعزل الأُكسجين عنها، والإعلام هو أُكسجين الأقوال والأفعال الشاذة التي أجزم أنها ستموت في مهدها بمجرد عزل أُكسجين الإعلام عنها.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM