Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/06/2010 G Issue 13768
الاربعاء 26 جمادىالآخرة 1431   العدد  13768
 
شغف التسميات
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

حينما يتداول العامة لفظة ما مشتقة من اختصار لاسم طويل له معنى ويعتادون عليه يكون ترديده مفهوماً للجميع، وغالباً ما تكون تلك اللفظة مشتقة من الأحرف البادئة

للاسم الأساس مثل ساما أو سما بفتح السين في الأولى وكسرها بالثانية وهي تسميات مختصرة تستخدم للدلالة على جهاز أو مؤسسة أو نظام أو برنامج أو حتى وزارة، ويجدر أن نذكر أن غالبية تلك الاختصارات استخدمت الأحرف الأولى للاسم الأساس بلغته الإنجليزية وليس العربية؛ فساما مثلاً تعني مؤسسة النقد العربي السعودي، واختصارها ذلك لم يكن نتيجة جمع الأحرف الأولى من اسمها بالعربية بل باللغة الإنجليزية، وهكذا تأتي بقية الأسماء. وهي بلا شك من المزايا الكثيرة التي أتتنا من الغرب وانتهجناها واعتدنا عليها في كثير من التسميات وتم تداولها وكانت وما زالت نافعة للاختصار في الحديث وعدم الإسهاب وزيادة الكلام عند الإشارة إلى المؤسسة المعنية أو النظام أو البرنامج أو الجهة بشكل عام.

انتقلت تلك الطريقة إلينا وأحسنا استخدامها بدايةً كما ذكرتُ آنفاً، لكن ما لبثنا أن بدأنا نختصر الأسماء بشكل مخل، ولا نستعين بالأحرف البادئة للمعنى المراد اختصار اسمه لا بلغتنا العربية ولا بلغة إنجليزية ولا حتى باليابانية، فذهبنا إلى أبعد من ذلك، وبدأنا نطلق مختصرات كثيرة، قليل منها فقط له معنى، والباقي لا معنى له على الإطلاق، حتى بات الناس يتساءلون عن علاقة ذلك الاسم المختصر بالأصل المراد اختصاره، فحينما يظهر لنا اسم مختصر لنظام جديد أو برنامج حديث يبدأ الناس بالسؤال عن ماذا يعني وماهية إجراءاته وما الفائدة منه؛ فيعلم الناس الاسم المختصر ويحفظونه ويتداولونه قبل معرفتهم بما يعني والغاية منه والفوائد أو حتى الإجراءات النظامية له حتى وإن مست تلك الإجراءات حياة المواطن العادية سلباً أو إيجاباً. وأنا هنا لا أشير مطلقاً إلى الاختصارات المستخدمة في الأعمال التجارية الخاصة؛ فتلك لا تعني المواطن من قريب ولا من بعيد، وإن كانت وستسمر مجهولة له إلا أنها في جميع الأحوال لا تمس حياته أو تصرفاته أو واجباته.

كثيرة هي الأنظمة الجديدة سواءً تلك التي يُراد لها أن تحقق فوائد للمواطن في شتى مناحي حياته أو تلك التي ينبغي أن تعمل على تنظيم جانب من حياة المواطن، وأيا كان نوع تلك الأنظمة فالمتلقي هو المواطن أولاً، وهو المعنيّ بفهم تلك الأنظمة، وعليه سيتم تطبيقها، ومن ثم تقع مسؤولية توعية المواطن وإفهامه إياها على مَنْ سنها.

فكثير من الأنظمة التي تم سنها حديثاً عرفها المواطن باسمها المختصر قبل معرفته لأدواتها وإجراءاتها، وهي التي كما ذكرت سابقاً تمسه بشكل مباشر، وهو المعني بها من حيث تطبيقها عليه أو استفادته منها، حتى بات كثير من الناس يعلمون الاسم المختصر ويبحثون عمن يشرح لهم أحكامه وأنظمته وإجراءاته.

حينما يتم العمل على سن أنظمة جديدة يجب أن يشمل الجهد المبذول لذلك معرفة أن كثيرًا من الناس قد لا يستطيعون فَهْم المعنى من الاسم المختصر أو حتى النظام بأكمله، يجب أن يشمل الجهد الذي يسبق الإعلان عن النظام أو الإجراء أثناء التحضير له الاهتمام بالجانب التوعوي له بحيث يؤخذ في الحسبان إفهام الناس بأدق تفاصيل ذلك النظام أو الإجراء، لا أن ينصب جُلّ الاهتمام بالتسمية وتبدأ حملة إطلاقه حتى يتداوله الناس وهم لا يعرفون ما هو ولا ما ينطوي عليه من أحكام وإجراءات.

لا شك أن أي إجراء أو نظام يتم سنه ويُراد له تحقيق النجاح المأمول يسبقه أيام وأسابيع بل أحياناً أشهر حتى يخرج بحله متكاملة تضمن له أدنى حدود النجاح، ومن ذلك استخدام اسم مختصر يسهل على الناس فهمه أو الإشارة إليه دون الحاجة مستقبلاً إلى شرح معناه عند الإشارة إليه في أي مناسبة، لكن لا ينبغي إطلاقاً أن نبدأ المعادلة بالعكس فنهتم باسم النظام المختصر ونترك أهم ما فيه وهو ماهيته وأحكامه وإجراءاته، وتلكم هي مفاتيح نجاحه.

نريد بناء ثقافة متكاملة لدى المواطن، ثقافة الأنظمة والحقوق والواجبات، نريد للمواطن أن يعي ما له وما عليه، لا ثقافة المسميات والمختصرات. لدينا العشرات من تلك المختصرات ولدينا ملايين من الناس الذين لا يعلمون إلى ماذا تشير تلك المسميات أو ما الفائدة منها وما يمكن أن تقدمه له أو تمسه في جانب من حياته، وكأن من وضعها أراد مُصراً أن تبقى تلك المختصرات معلومة للقلة ومجهولة للكثرة، أو أنه أراد أن يجعل المواطن يبحث هنا وهناك عن معاني تلك المسميات حتى يتم تداول اسم المصدر لحاجات تسويقية وتلميعية معينة. إلى لقاء قادم إن كتب الله.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد