بعض الناس في هذا الزمان ؛ لا شغل له إلا جمع الخيوط المتفرقة، والبحث في المواءمة بين استدلالات متعددة، وليس له من هدف أو غاية في النهاية، إلا الوصول إلى تأكيد نتيجة جزمية حتمية، استقر عليها رأيه مسبقاً،
فلا مناص من الانسياق خلفها، ولا مجال إلا للرضوخ لها، وليس أمام الآخر إلا الأخذ بها شاء أم أبى.
مثل هذه المواجهة غير المنصفة، تواجهني في أحايين كثيرة، ومنها هذه التي وجدت نفسي فيها محشوراً بين اسمين، أحدهما علم معروف مشهور غير منكور، وآخر مجهول أو مقنّع باسم مستعار مبتور منكور.
الأول هو من أعرفه منذ زمن ليس بالقصير، فهو ابن مدينتي، وصديق وزميل حرف وكلمة وجملة ومعنى، هو الأستاذ (عبدالعزيز قاسم)، صاحب البرنامج المتلفز على دليل: (البيان التالي)، وقبلها صاحب المكاشفات الشهيرة في الرسالة، ثم صاحب مجموعة (عبدالعزيز قاسم البريدية)، التي أضحت تصل إلى كل بريد لكاتب أو مستهلك لما يكتب الكاتب.
الآخر المجهول، هو الذي يتستر، فيتقنع أو يتحجب وراء اسم مستعار هو: (أبو عزيز)، وليس أمام أي أحد فينا تعريفه أو تصنيفه، أو حتى تخمين من يكون هذا الشبح الغريب، إلا إذا عاد إلى قاموسه الشتائمي الذي فاق وبز كل من سبقه فيه، فإذا أردت أن تصف أو تعرف شبحاً اسمه (أبو عزيز)، فارجع إلى قاموسه السبابي البهيظ البغيض، الذي جعل منه لازمة حازمة جازمة لكل لاقطة أو ساقطة، يتطوع بنقلها وتعميمها على كل بريد، خاصة وهو مهموم بالهجوم على كل من جاء برأي مخالف لما ساد وما باد، من آراء متشددة، وفتاوى متطرفة، ثم هو متخصص في علمنة وزندقة رؤساء تحرير الصحف، وتسفيه الكتاب والمحررين فيها، وتمجيد وتعظيم كل من ينتقص منهم، أو يقلل من شأنهم، أو يطعن في أعراضهم، بل يرقص فرحاً لو وجد بادرة تكفير واحدة ضد هذا أو ذاك، ممن يرفضون فهمه للتكفير، ويخالفون طريقته في التفكير، ويعارضون أسلوبه في تناول قضايا المجتمع السعودي، الذي أصبح في قاموسه (العزيزي)، بين: (رافضة، وأحفاد مجوس، وتغريبيين، وعلمانيين، وليبراليين، ورويبضات أقلام، وأغيلمات إعلام، وعجائز صحافة، وسفهاء من الكتبة).
قضيتي هنا، ليست في ما يتقيؤه (أبو عزيز) هذا على صفحات البريد الإلكتروني صباح مساء، فهو قد تحول عندنا إلى ظاهرة شاذة تؤكد القاعدة والحمد لله، بل يرى فيه بعضهم نكتة يومية لا غنى عنها، لكي يبتسم ويضحك قليلاً في زمن عزت فيه حتى البسمة على الشفاه.. قضيتي هي في تلبس (أبو عزيز) بالصديق الأستاذ (عبدالعزيز قاسم)، حتى بدا وكأنه يصدر من مجموعته البريدية صباح مساء، فإذا ظهر مقال يمجد دعوة عدائية، أو يروج لفتوى تكفيرية، ويسوق لأخرى متشددة ومتطرفة في شأن عام، أو شاع طرح يسيء لمشروع إصلاحي نهضوي تتبناه الدولة، تسلل كل ذلك إلى آلاف العناوين تحت اسم وشعار (مجموعة عبد قاسم البريدية)، بتوقيع الشبح (أبو عزيز)..!
التلبس والالتباس فيما بين الصديق (عبدالعزيز)، والشبح (أبو عزيز)، لم يتوقف عند حد استخدام المجموعة البريدية للأستاذ (عبدالعزيز قاسم)، الذي يُفترض أن تكون خاصة بصاحبها، وتصدر عنه، وتعبر عن آرائه هو وليس أحداً غيره، ولكن الأمر طال حتى اسم الشخص نفسه، فالذين يتلقون سيل الرسائل العزيزية التي تدعوهم إلى التكهف والتحجر، وتحبب إليهم حياة القرون الوسطى، وهي تتسلل إليهم من مجموعة بريدية تحمل اسم (عبدالعزيز)، وممضاة من (أبو عزيز)، وكثير منهم لا يعرف الأستاذ (عبدالعزيز قاسم)، راحوا يربطون بين الاسمين، وبالتالي ينسبون ما يصلهم من حثاء وغثاء وتخلف، ومن أدعية عليهم بالسحق والمحق، وبقطع النسل، وبالإصابة بالأمراض الخبيثة وما إلى ذلك، على أنه صادر من (عبدالعزيز قاسم) نفسه، وأنه يمثل رأيه، وأنه راض عنه، وأن الكنية في (أبو عزيز)، هي لعبدالعزيز قاسم نفسه.
لقد تعبت يا أخ (عبدالعزيز قاسم)، من الدفاع في ظاهرة هذا التلبس المشين، الذي لا أشك أنك ترفضه جملة وتفصيلاً، فكثيراً ما نافحت وكافحت من أجل التفريق بين (عبدالعزيز) و(أبو عزيز)، وخاصة في المجتمع الجداوي الذي يعشق الجدل إلى درجة كبيرة، وليس أمامي هنا بعد ذلك، إلا إحالة الأمر إليك، لكي تخلي ساحتك، وتبرىء ذمتك، من هذا الذي يتقنع باسم (أبو عزيز)، وتحمي مجموعتك البريدية من سطوته وعدوانه وخبثه وتلبسه بها، وكأنها منه وهو منها، وهو يوحي للغير ممن يعكف على مشاكستهم ومناكفتهم كل يوم - بل وسبهم وشتمهم وتكفيرهم وزندقتهم – أنه يمثل هذه المجموعة، أو أنه (عبدالعزيز قاسم) نفسه، صديقنا أبو سامة الذي نعرفه منذ سنيه الأولى في الطائف المأنوس، فالذي عاش وتربى في مدينة جميلة متحضرة متسامحة مثل الطائف، لا يمكن أن يطعن في أعراض الناس، ولا أن ينتقص من أقدارهم، عوضاً عن وصفهم بالرافضة والمجوسية والعلمانية والليبرالية، ويزيد بنفث أحقاده على شريحة من قادة العمل الإعلامي والثقافي والرأي في البلاد، فيصفهم بأنهم أغيلمات ورويبضات، ، وأنهم سفلة، وأنهم عجائز يديرون الصحافة السعودية، خاصة وأنت من يرأس تحرير مجلة معروفة مقروءة، وممن يصنع رأياً حراً على قناة فضائية تشق طريقها في التقريب بين المذاهب المختلفة، وتسعى للمواءمة بين آراء ووجهات نظر مختلف الشرائح في الوطن الواحد.
افعل أخي عبدالعزيز.. فلربما نجح مسعاك، فانكشف الغطاء عن وجه خفاش جديد.. خفاش يملك شجاعة سلفه الخفاش الأسود، فيظهر ويقول: ها أنذا فلان الفلاني..!
assahm@maktoob.com