مشاركة المرأة في المجالس البلدية تدرس الآن بسرية وخلسة أي على استحياء، خوفاً من ردود فعل شرسة ومتوجّسة في ظل محيط متورِّم بحساسية غرائزية ضد النساء، تلك الحساسية الصانعة لفتوي تطالب بهدم المشاعر المقدَّسة وإعادة بنائها ضمن كروكي المخطط الذي يعاني الهوس الغرائزي، والذي يسعى دوماً لشطر العالم إلى شطرين مقلط حريم ومقلط رجال، ويجعل للمرأة خروجين في حياتها الأول إلى بيت زوجها والثاني خروج من الحياة كلها إلى القبر.
وقضية مشاركة المرأة في المجالس البلدية هي ليست أمراً مسقطاً على الثقافة أو نشازاً أو خارجاً عن سياقها، بل هناك الكثير من المواقف التاريخية التي تشير إلى مشاركة النساء في الفضاء العام بكل فاعلية واقتدار، قبل أن يعتقلن في فخ الحر ملك، كسلة محملة بالخطايا، والمواد المشتعلة القابلة للانفجار، معتقلات ضمن تلك النظرة المهينة التي تقصيها عن المشاركة في صناعة الحضارة نتيجة قصور أو عيب خلقي متأصّل بها, ذلك العيب الذي يتطلّب وصاية دائمة.
المفارقة هنا أنه عبر التاريخ كانت تعقد المدنية واستقرار الحواضر الإسلامية ضد النساء، فعلى حين كانت المرأة في عهد الرسالة فاعلة حاضرة تقود المعارك وتقوم على الحسبة، لكن لاحقاً تم إقصاء النساء عن تفعيل حضورهن في الفضاء العام، بل على العكس خلق ركاماً فكرياً وفقهياً حجب المرأة عن الكثير من حقوقها الشرعية وخصائصها الإنسانية كما ذكر الشيخ عبد الحليم أبو شقة في موسوعة (تحرير المرأة في عهد الرسالة) والتي أبرزت كيف أنّ المرأة في العصر النبوي كانت شريكاً أساسياً للرجل في كل مناحي الحياة (وهي موسوعة قيّمة أتمنى أن تصبح في متناول الجميع، على سبيل المثال الأزهر الشريف طبعها في طبعات شعبية ووزعها على نطاق واسع).
فانتشار هذا النوع من الطروحات الفقهية المستنيرة المستقبلية، قد يسهم في الحد من الفتاوى القائمة على الإقصاء والتصفية والحساسية المرتفعة ضد النساء.
فالنظرة الحيادية المستقلة الخالية من العمى الأيدلوجي بالتأكيد تتطلّب أن يكون نصف أعضاء المجالس البلدية من النساء، فالنساء على الغالب المعنيّات بأمور محيطهن البيئي، سواء على مستوى الأمن أو النظافة أو الشروط الصحية، وما سوى ذلك من أمور تتدخل في صلب مهامهن اليومية كمربيات ومسؤولات عن البيت والأسرة، وهن أيضاً المتلقي الأهم للخدمات التي تقدمها البلديات أو تشرف عليها، وهو الأمر بالتأكيد الذي دفع أمانة مدينة الرياض إلى تأسيس إدارة نسائية بفروع متعددة تغطي جانباً هاماً من الخدمات البلدية المقدمة للقطاع النسائي.
أعتقد بأنّ في الدورة الثانية من الانتخابات البلدية (وبحسب الوعود التي أعطيت للنساء) في المرة الأولى، لابد أن تكون المجالس البلدية مناصفة بين النساء والرجال (حتى ولو أتى هذا الأمر عن طريق التعيين) كي تستطيع تلك المجالس أن تقوم بالمهام المناطة بها بعيداً عن شكلها الصوري المحبط الذي كانت عليه في الدورة الأولى.