القدرة على قراءة المستقبل والربط بين تفاصيل الأحداث جزء من التخطيط الذي يؤسس لصناعة المستقبل نفسه، والواقع السياسي الذي شهده العالم بعد انتهاء الحرب الباردة كان نموذجاً واضحاً لمفاجأة الخيارات أو مباغتتها، فلم يكن ضمن قائمة خيارات غالبية محللي تلك الحقبة خيار القطب الواحد بتلك السرعة والدراماتيكية، لكن الواقع أثبت أن جميع الخيارات مفتوحة دون حساب الوقت والتقدير.
منظمة الأمم المتحدة كنموذج لميزان العدالة العالمي وصمام الأمان لتشابك علاقاته وتضاربها تمثل نواة لشمولية حلم فلسفي بذره فيلسوف يحلم بعدالة تؤسس لسلام دائم ضمَّنه الفيلسوف الفرنسي «كانت» في كتابه «مشروع دائم للسلام»، وقد بات حلم السلام الذي يطمح العالم لتحقيقه أكثر إلحاحاً في زمن القطب الواحد ثم بروز أدوار ثانوية لأقطاب إقليميين في كل جزء من العالم، وعلى الرغم من النظرة السلبية التي يحملها البعض لدور المنظمة إلا أن المنصف لا يمكن أن ينكر الدور الذي تقوم به وتسعى إليه في المساهمة في نزع فتيل صراعات متنوعة في بؤر منتشرة بمساحة العالم، والحديث الذي أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مؤخراً مخاطباً الفلسطينيين أثناء زيارته لغزة قائلاً: «إن الأمم المتحدة تقف معكم» يمثل لغة مهمة والتزاماً ناضجاً لمنظمة تتحمل عبئاً عالمياً كبيراً وكذلك انتقاده اللاذع لإسرائيل ولومه لها على خطتها المزمعة لبناء 1600 وحدة سكنية في القدس الشرقية ومطالبته إياها بوقف النشاط الاستيطاني؛ فمثل هذه اللغة تمثل موقفاً يدعم السلام ويعززه لبناء الثقة في المؤسسات الدولية التي يعول العالم عليها لإنهاء الصراعات، لكن هذا الموقف الشجاع والصوت الصادق يحتاج إلى إرادة سياسية من الدول ذات النفوذ والتأثير لإجبار الطرف الإسرائيلي على الانصياع وعدم إجهاض حلم السلام الذي سيكون حتماً في مصلحة الجميع إذا ما كان عادلاً وشاملاً وهو ما رسمته المبادرة العربية بوضوح لا غموض ولا تردد فيه ولم تستجب له إسرائيل حتى الآن!
* * *