Al Jazirah NewsPaper Monday  08/03/2010 G Issue 13675
الأثنين 22 ربيع الأول 1431   العدد  13675
 
لا تنقذوا الصحافة
زيجا تورك (*)

 

كان الزعماء السياسيون على مر التاريخ يدعمون تقنيات الاتصال المتاحة التي تساعدهم في الدفاع عن النظام الذي يزاولون الحكم من خلاله. واليوم أيضاً قد تستسلم الحكومات لإغراء حماية الصحف وقنوات التلفاز العامة بحجة «إنقاذ الديمقراطية كما نعرفها». ولكن الجهود الرامية إلى عرقلة التغير التكنولوجي كانت عقيمة وبلا جدوى في الماضي، ولا شك أنه من غير الحِكْمة أن نلاحق مثل هذه الجهود اليوم، بل يتعين على النظام السياسي (والإعلام) بدلاً من هذا أن يتكيف مع الواقع الجديد.

ففي مواجهة الأزمة الطاحنة التي تمر بها وسائل الإعلام الإخبارية التقليدية، مع اجتذاب التقنيات الجديدة لقرائها ومشاهديها، بدأت في التحوُّل نحو الحكومات على نحو متزايد طلباً للمساعدة، شأنها في ذلك شأن المصرفيين، وشركات صناعة السيارات، ومنتجي الكهرباء بالطاقة الشمسية. ولكن السبب وراء هذا التوجُّه أسمى وأكثر نُبْلا. إنَّ وسائل الإعلام تشكِّل حجر الزاوية في بناء الديمقراطية، وإذا تُرِك الأمر للمدونات وغيرها، من دون صحفيين يغطون الأخبار، فكيف يتسنى للمواطنين أن يحزموا أمرهم حين يتصل الأمر باختيار السياسات التي يتعين عليهم أن يساندوها؟

إنَّ هذا التفكير يعكس مخاوف قديمة: أو طبقاً لتعبير أفلاطون فإن المواطنين «يحصلون على المعلومات من دون التوجيهات المناسبة، ثم يتصورون أنهم على أعظم قدر من الاطلاع والمعرفة، في حين أنهم جاهلون تماماً في أغلب الأحوال». وهي المخاوف التي تردد صداها عبر التاريخ منذ ذلك الوقت، بداية من لعن الكنيسة الكاثوليكية لحروف جوتنبرج المطبعية المتحركة إلى تذمر الطبقة البرجوازية في العصر الفيكتوري من حرية الصحافة المكتشفة حديثاً آنذاك.

لم يتوله الحكام السياسيون أيضاً في عشق تقنيات الاتصال الحديثة قَط؛ وذلك لأن النظام السياسي الذي حكموا من خلاله كان متكيفاً مع التكنولوجيا القائمة. وبسبب نُدرة رِق الكتابة فقد تركَّز كل صناع القرار السياسي في بلاط يتألف من حفنة من الناس. وحين بدأ اختراع الورق الرخيص والمطابع (تكنولوجيا الاتصالات الجماهيرية الحقيقية الأولى) في تهديد هذا النظام سارع الملوك والكنيسة الكاثوليكية إلى الدفاع عن الاحتكار القائم على رِق الكتابة. ولكن مساعيهم باءت بالفشل.

وكان ظهور المطابع، والورق، والصحف من الأسباب التي أدت إلى نشوء أنماط جديدة من النظم السياسية القائمة على المشاركة الشعبية الموسعة. ولم يكن الانتقال سلساً، ولكن هؤلاء الذين فهموا علامات الزمن في وقت مبكر ضمنوا لأنفسهم مركزاً متقدماً في التاريخ. وليس من قبيل المصادفة أن بنجامين فرانكلين كان على دراية بالطباعة ونشر الصحف. وكان النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي الذي نتج من الثورة الأمريكية مجارياً إلى حد كبير لتكنولوجيا المعلومات الناشئة في ذلك الوقت.

ولقد أدى هذا إلى نشوء علاقة تعايش أو تكافل متبادلة بين وسائل الإعلام الجماهيرية القديمة والحركات السياسية الجماهيرية القديمة، وهي علاقة مناهضة لدخول أي لاعبين جدد. وكان تأسيس الصحف ومنظمات البث لا يقل تكلفة عن تأسيس الأحزاب السياسية، ولكن بمجرد تأسيسها فإنها تستفيد من الاقتصاد الضخم؛ حيث تظل تكاليف التشغيل ثابتة نسبياً مع تزايد أرقام التوزيع (أو عضوية الأحزاب). ويهتم طرفا هذه العلاقة اهتماماً عظيماً بعيون عامة الناس وآذانهم؛ وبالتالي يهتم كل من طرفي العلاقة بالآخر.

ولكن من المؤسف بالنسبة للطرفين أن مصدر قوتهما الرئيسي - القدرة على نقل المعلومات والربط بين الناس - أصبح من المهام التي تستطيع شبكة الإنترنت أن تؤديها على نحو أفضل؛ فالمدونات ومنابر الشبكات الاجتماعية تشجع على نشوء روابط غير مكلفة بين أطراف ما كان لينشأ بينها ارتباط لولا ذلك الشكل الأكثر فعالية من أشكال التنظيم على الإطلاق. فلا قِبَل لصحيفة أو محطة إذاعية بتغطية كافة مشاريع المجموعات المختلفة على موقع الفيس بوك على سبيل المثال.

لذا فقد لا يتطلب الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتم إقناع الساسة بأن الصحافة تشكل ضرورة أساسية بالنسبة للديمقراطية، وأن بقاءها - كما هي الحال بالنسبة لقنوات التلفاز العامة في العديد من البلدان - يعتمد على الدعم الحكومي. ولا شك أن الإعانات الحكومية سوف تحل محل عائدات الإعلانات؛ الأمر الذي لا بد أن يثير تساؤلات متوقعة حول تأثير ذلك على المحتوى الصحفي.

ويتلخص البديل في التركيز على ما لا تستطيع تكنولوجيا الاتصالات أن تحققه: ألا وهو خلق الأحداث الطيبة أو السياسات الجيدة وليس نقلها. وسوف تظل سوق الجودة قائمة أبد الدهر. والواقع أن الانقطاع الذي أحدثته تكنولوجيا الاتصالات الناشئة يتمثل في حقيقة مفادها أن أفضل الأقلام قد لا تنتمي جميعها إلى هيئة العاملين بالصحف، وأن السياسات ليس بالضرورة أن تصاغ في أروقة الحكومة.

في تسعينيات القرن العشرين قال بِل جيتس: «في القرن القادم سوف يظهر القادة والزعماء من بين هؤلاء الذين يعملون على تمكين الآخرين». وفي اعتقادي أن اختيار من يتعين علينا أن نمكنه ومن ينبغي له أن يشارك، وليس اتخاذ القرار بشأن إنقاذ التكنولوجيا الإعلامية القائمة، سوف يحدد مستقبل الأحزاب السياسية والأنظمة الحاكمة التي يزاول الساسة الحكم من خلالها.

(*) أستاذ بجامعة ليوبليانا
خاص بـ(الجزيرة)





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد