Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/03/2010 G Issue 13669
الثلاثاء 16 ربيع الأول 1431   العدد  13669
 

شيء من
عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

بودي لو أن المسؤولين في وزارة العمل ينشرون ملفات الذين صَعّدوا ضد فتاوى بعض طلبة العلم بجواز الاختلاط بشرط ألا يُفضِ إلى محرّم؛ لنرى هل هؤلاء ملتزمون في حياتهم الخاصة بما حرّموه على الآخرين في بيوتهم، وليس لديهم (خادمات أو سائقين)، أو أنهم يقولون شيئاً ويُطبقون شيئاً آخر. أغلب هؤلاء - وأعرف بعضهم معرفة شخصية - لديهم من الخادمات، ومن السائقين الذين يحتم عملهم الاختلاط بنسائهم، ما يجعلهم يدخلون في المعنى الذي يعنيه الشاعر بقوله:

(لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عارٌ عليك إذا فعلت عظيم)

من يُفتي بفتوى، ثم يبدأ بنفسه، ويلتزم بما حَرّمه، تحترمه وإن اختلفت معه، أما مَن يفتون في أمر ما، ثم يخالفون فتواهم على رؤوس الأشهاد، فلا يمكن أن تحترمهم فضلاً عن أن تقبل ما يفتون به؛ هؤلاء هم واحد من اثنين: إما أنهم (مع الخيل يا شقرا) فلم يفكروا قط في أنفسهم، ولا في بيوتهم، ولا فيما يمارسونه في حياتهم الخاصة، ولم يسأل الواحد منهم نفسه سؤالاً: هل تستطيع أن تلتزم بمنع الاختلاط في بيتك، قبل أن تحرّمه على غيرك؟.. أو أنهم يدركون، لكنهم يفعلون في الليل ما ينكرونه في الصباح؛ أي أنهم بصريح العبارة (متناقضون)؛ وفي ظنهم أن بالإمكان (تغفيل) الناس، رغم أن تناقضهم من الوضوح إلى درجة أن الأطفال يُدركونه، بل ويسخرون منه، ويتندرون به في جلسات سمرهم.

وأتذكر بهذه المناسبة ما حدث عندما فرضت الدولة التلفزيون؛ ومثل أي جديد صَعّدَ المتشددون - ومنهم والدي رحمه الله - ورفضوا اقتناءه، واعتبروه من المحرمات، لكنهم لم يصلوا إلى (تكفير) من يبيحه، أو أنهم ادّعوا كذباً وزوراً (الإجماع) على حرمته، وكنت حينها صغيراً، فألححت على والدتي - رحمها الله - لنشتري تلفزيوناً، مثلنا مثل جميع أصدقائي. قالت: (رح لابوك وقله). ذهبت لوالدي، وكنت الصغير بين إخوتي، وطلبت منه أن نشتري تلفزيوناً كجميع أصدقائي، فاحتدّ وغضب، وقال: (تبيني أحرمه على الناس وأحلله لنفسي)؛ وتوفي - رحمه الله - ولم يدخل بيته التلفزيون؛ فكان لا ينه عن خلق ويأتي مثله على رؤوس الأشهاد مثل ما يفعل بعض فقهاء زماننا.

أريدكم أن تقارنوا بين أولئك وهؤلاء. فالواحد من هؤلاء لا يمل ولا يكل من الإنكار على الاختلاط، يُحرمه، وربما تفهّمَ تخريج من قال (بكفر) من أباحه أيضاً، وينتهز كل شاردة وواردة لإثبات حرمة الاختلاط، وأنه سببٌ للخلوة، والخلوة طريق مُفضٍ للزنا، ويعِظ الناس أن يتقوا الله، وأن يذروا الاختلاط. وعندما تسأل عن حياته الخاصة، وهل (فضيلته) ملتزم بما يُفتي به في بيته تجد أن لديه من الخادمات والسائقين ما ينسف فتواه من أساسها، ويُظهره أول من يناقض مع ما يُفتي به. والسؤال الذي يفرضه السياق: ألا يستحي مثل هؤلاء؟

أعرف أن هذه العواصف المفتعلة ستنتهي حتماً إلى الفشل مثلما انتهت قضايا أخرى مشابهة، كما أعرف أن من يُحرمون اليوم سيتسابقون (غداً) على البحث عن عمل لبناتهم، أو حفيداتهم، حتى وإن كان في بيئة مختلطة بين الرجال والنساء، مثلما هو الوضع في كل العالم الإسلامي؛ فالتشدد وفكر التشدد لا يمكن أن يقاوم التطوّر وحاجات الإنسان الاقتصادية.

إلى اللقاء.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد