هل كانت حالة فردية لا تستوجب التوقف, ولا يجب أن يُنظر إليها في سياقها؟ وهل هي محكومة بشخص ذلك (المعلم) وبظرفها الزمني, فتأخذ حكم الشاذ الذي لا يُعتبر؟ وهل هي منفصلة عن فكر ما (سائد)..وقناعات مستقرة, واعتقادات متراكمة؟ أم هي فقط ما ظهر وأُعلن, وليس وراءها إلا نزعة مستظرف نزق..؟
- أطرحُ ما سبق إزاء الخبر الصحفي الذي نشرته إحدى الصحف قبل أقل من أسبوعين عن معلم كتب في ورقة الامتحان:ما حكم النظر في النساء الكاشفات في التلفزيون؟ وهل تؤيد قرار وزارة التربية والتعليم بعدم ضرب الطالب؟ والحب والبغض والكافر والمسلم.. إلخ.
- هل يتم معالجة هكذا حالة.. بمساءلة يسيرة, وعتب لا يبلغ تقصي الدوافع وتأويل النوايا، وربما بتحقيق وتقرير تربويين إداريين؟ ويتم تداول الواقعة صحفياً وفقاً لشروط طرافتها والدهشة إزاءها ,وينتهي كل شيء وتذهب في مهب النسيان.. ويستمر الشريان المغذي...بضخ هذه الأفكار والأدبيات, والانطلاق من ذات المعتقد, ويتخذ أشكالاً عدة في مظاهر تعبيره عن قضاياه واعتقاداته، وزرع أفكاره في أذهان الطلاب وتعبئتهم بشحنة المواقف القطعية الموجهة أيديولوجياً, بمثل تلك الحدة المفرطة في السطحية والخطورة في آن, وبمثل تلك الصيغة من الأسئلة المعبرة عن وعي وفهم كاتبها, حيث تختلط الاصطلاحات والمفاهيم الدينية والقرارات الإدارية والموقف من المجتمع دون الالتزام بإطار المنهج المدرسي وبمقررات الامتحان وموضوعاته, ودون تعاط تربوي علمي, يتوخى طبيعة المرحلة ومستوى المستهدفين, والسياق المجتمعي وروافده الوطنية والإدارية والدينية. لتتراكم معضلات تنتُج عن مثل هذه الأفكار والتعبيرات والمعالجات.
- كُتب كثيراً في الصحف والدوريات المتخصصة ومن خلال الأطروحات البحثية والعلمية, وعبر جلسات الحوار الوطني حول ضرورة مراجعة المناهج وبرامج تأهيل المعلمين ومقاييس البيئة المدرسية وأثاثها الفكري دون أن نلمس على صعيد الواقع ما ينبئ عن أن بعض الأفكار والتصورات الخاطئة في فهم العملية التربوية والتعليمية في طريقها للمعالجة، ودون أن نلمس ما يشير إلى أن مؤسستنا التعليمية (المدرسية). تخطط لأولوياتها بعناية, وأنها تقوم على إستراتيجية محكمة في برامجها ومراحلها ومحتواها وكوادرها. وأنها بحجم مسئوليه بناء (ناشئ الفتيان فينا..) على قيم الاعتدال الديني والالتزام الوطني. وإدراك جوهر قيم الإسلام وبناء الذات والتسامح والعقلانية والعمل والإبداع وحقوق الذات والآخرين والإيجابية والمبادرة.
- ..نسمع عن خطط وبرامج ومشاريع (تربوية وتعليمية) نظرية, تُحاط بأجواء دعائية واحتفالية إعلامية. ونجد الواقع يطفح بمثل ذلك (المعلم) , مما يقتضي مراجعة الجوهر الحقيقي لفلسفة التعليم، ويتطلب إرادة وإدارة فيهما من الوعي بضرورة مراجعة ومعالجة كل ذلك الركام, والتخطيط لواقع جديد نتماس فيه مع العالم حولنا, بقدر ما فيهما من الالتزام والإلزام والممارسة العقلانية والمسئولية المشتركة.
- ذلك (المعلم) نموذج من آلاف النماذج من المعلمين والمعلمات الذين احتكروا عقول أبنائنا وفقاً لأفكارهم واعتقاداتهم, يريدون أن يكون عقل ووجدان الطفل محصورا في الحلال والحرام. والحب والكره, والمسلم والكافر, وهي مفاهيم أصيلة في خطابنا؛ شرط أن تأخذ مكانها في سياقها, وفي إطار صيغ راشدة توظفها بوعي بحسب شروطها العلمية والدينية المتفق عليها, وبحسب ما يتواءم منها مع عقل الطالب ومستوى إدراكه وفهمه لها.
- ذلك (المعلم) ليس نموذجاً طارئاً أو استثنائياً خارجاً عن شرط البيئة والثقافة والمكان، بل مُخرجٌ صادق الانتماء للبيئة التي احتضنته-والخطاب الذي أفرزه- يضخ فيه أقطابها وسدنتها مثل هذه الأفكار ويتواطؤون على ترسيخها في كل محفل ومن خلال أي مسار يتاح لهم.
- ليست القضية (قضية معلم) أراد أن يتفذلك.. بل القضية فكر مسموم, وأدمغة صدئة , وكائنات تعيش في غيب مطلق, تنعدم فيه الحدود والفواصل بين الثوابت والمتغيرات, والدين والتقاليد,و..و. وحسبنا الله ونعم الوكيل.