رغم أن خطيب روما الأشهر (شيشرون) قد تبنى نظرية الحلم الذي لا يحده مدى عقلي أو منطقي بحيث يجيء مقلوباً ومجنوناً؛ فإن الحلم يظل شيئاً هلامياً نعيش به وله ثم نفتش عنه فلا نراه، وينفتح الحوار حول الأهم؛ أسلامة العقل المفجوع باستحالة الحلم أم مساحة الخيال المتلذذة بشفير الجنون؟ فكم عاقلٍ أودت به يقظته وهائمٍ أنقذه منامه!.
كانت أسئلة عن الفشل طرحها محرر صحفي على صاحبكم قبل بضعة أعوام فعد بضعة عشر فشلاً وأوقفه حيز المكان عن المزيد، واستعادها أحد أصدقائه في «الفيس بوك»، وكان قد أُنسيها، فرآها قطرة في بحر، ولو سُئلها اليوم لجاءت مضاعفة؛ فالسنون تراكم الفشل وتقلص الحلم ويبقى الأمل الأوحد برضا الله وعفوه.
حقيقة لا تدعي التواضع ولا تتبنى الضعة، لكنها تحاول التقارب مع لغة الواقع الذي يُعرف النجاح بمقاييس المناصب والترقيات والأرصدة، وهنا المقدمة الخاطئة؛ فلا يعني أن يكون معاليه أو سعادته من علية القوم أنه ناجح، وربما بدا آخر تحتويه الطرقات المتعبة أقرب إلى دوائر الفعل والتفاعل، وحين ينفضُ المهنئون يوماً، وسوف يفعلون، سيبقى للزوايا المنسية وهجها، ويُنسى العابرون على السجاد الأحمر.
هنا يأتي استفهام مهم عن التواطؤ الرافض لكشف فشل المسؤول الذي يعرف الأقصون والأدنون بضاعته المزجاة في الإنجاز، وينتصب المندفعون والمنتفعون للدفاع عن ضآلته، ثم يتبدل الحال فيخرج من السلطة فإذا أصفياؤه بالأمس هم كاشفوه أمام الملأ متبرئين من وزر آثامه وخيبات أعوامه.
ويأتي السؤال الآخر عن المروءة التي أثبتوا جدارة بتقويضها؛ فلِمَ لم تصمتوا عند ضعفه كما صمتُم إبان قوته؟ وهل في الخلق الكريم شتم العاطس وقد كنتم تُشمِتونه؟ و»يرحمه الله» أولى به ومنكم، لكنها المصالح والمطامح تقلب وجهها وتوجه قبلتها.
أُُقعد مسؤول كان ملء السمع والبصر، وضنت عليه إدارته بتكريم صوري، ووجل حاشية الأمس من أن ينضموا إلى بعض البعيدين الذين أصروا على تكريمه بمبادرة شخصية وعلى حسابهم الخاص؛ فكان موقف مطبلي الأمس سقوطاً علنيا من شاهق، ووجب تسجيله تحت عنوان (واخجل الأحرار).
الفشل ليس عيباً، والفقر ليس عاراً، والخروج من دوائر القرار دورة إدارية معتادة، فكيف تأتّت لنا شخصنة الكرسي وتلميع الوضع الاجتماعي وعدم النظر إلى أن المحاولات المتعثرة ستفرز حراكاً يوماً ما.
لنا الحق أن نحلم، وفي طبيعتنا الخطأ، ولكن ليس لنا أن نحرق البخور لمن لا يستحقه، ونتحول إلى جوقة منشدين؛ نبالغ لنبلغ، ونداري لندرأ ونستدر؛ فغداً يصبح الكلام ملاماً.
في لحظات حياتنا الأخيرة شريط غير عابر يختصر مئة عام في بضع ثوانٍ تروي حكاية حلم صغير ولد ووئد وسيوسد صاحبه التراب الذي كبر فوقه ثم تكبر عليه.
الحلم يتقدس ويتدنس.
Ibrturkia@gmail.com