معارض الكتب، مهرجانات الثقافات والشعوب، مناسبات وطنية، مشاركات دولية.. نادرا ما تغيب المملكة في مثل هذه المناسبات الخارجية، وتسجل حضورها وتواجدها مع باقي مؤسسات ودول العالم.. وقد كنا في وقت مضى نسعى وندعو للحضور الدولي للمملكة، وها قد حققنا
مثل هذا الحضور.. فلا توجد مناسبة دولية تقريبا إلا ونحن معها، ونتواجد من خلالها.. ولكن الجانب المهم في هذا السياق يستدعي أن ننتقل في السؤال من درجة: هل نحضر ونشارك في هذه المعارض والمناسبات الدولية، إلى درجة سؤال في مستوى أعلى: ماذا نقدم في مشاركاتنا وحضورنا الدولي؟
ومن يتابع مشاركاتنا، ويدخل أجنحتنا السعودية يلاحظ أنها تقليدية بما تحمله الكلمة من معنى، ولا تتعدى هذه المشاركات مجموعة إصدارات من مطابع أو جهات حكومية، وصور وبوسترات توزع على الحضور.. بمعنى أن حضورنا تقليدي موجه لعامة الناس من مواطني الدول التي تقام فيها مثل هذه المعارض.. وحضورنا دائما مكرر، كما كان ويكون في كل المعارض والمهرجانات والمناسبات.. مجرد موظفين جالسين يؤدون واجبهم الوظيفي من ساعة افتتاح المعرض حتى اختتام ساعات العمل، وحتى تنتهي آخر أيام تلك المعارض..
وهنا يمكن أن نطرح مجموعة قضايا مهمة في الشأن الخارجي لمشاركاتنا السعودية:
1 - لا توجد رسالة إستراتيجية واحده تجسد جميع المشاركات السعودية. فكل جناح يغني على ليلاه.. ويتجسد الحضور فقط في مجرد العرض بما لدينا، حيث تعكف تلك الجهات على جمع اكبر قدر من المطبوعات التقليدية والكتب وبعض المجسمات والصور والبطاقات ووضعها كيفما اتفق على الأرفف والطاولات المتاحة في تلك المساحات المحددة في الجناح المخصص. تتجاور أجنحة الجهات السعودية في المعارض، ولكن لا توجد رسالة واحده تحاول أن تطرحها جميع هذه الأجنحة عن المملكة الدولة، أو عن المملكة المجتمع، أو عن المملكة المؤسسات.
2 - تخلو مشاركاتنا من الجانب الإبداعي في العرض والتفكير، وأصبحت هذه المشاركة مجرد عروض تقليدية متكررة عاما بعد عام.. يرسل لها موظفون وفق تناوب روتيني بين القائمين على تلك المعارض.. وقد لا يعرف هؤلاء من المضامين والأفكار والطروحات التي تحملها تلك الكتب والمطبوعات إلا القليل وربما الجانب الشكلي لها.. وقد تتجسد مشاركاتهم في تقديم الكتب المجانية، أو الطلب من الزائرين كتابة عناوينهم البريدية، التي لا يتم ربما متابعته بعد ذلك أبدا.
3 - المشاركات السعودية الخارجية تركز على الأوراق وربما المجسمات، و تتجاهل الإنسان السعودي.. فلا توجد شخصيات من المفكرين والباحثين والعلماء والمثقفين والإعلاميين في تلك الأجنحة.. فلو حرصنا على انتقاء أشخاص يمثلون الفكر والعلوم والاختصاص ليكونوا متواجدين في تلك المعارض، لفتحت آفاق جديدة، وكانت سبيلا لحوار ونقاش وتمثيل سعودي على مستوى عالي.. فلو حرص كل جناح أن يختار اثنين أو ثلاثة من أصحاب الفكر والثقافة والعلوم والبحث ليكونوا متواجدين في كل جناح، لكان ذلك أجدى بكثير من مجرد عروض الكتب وتوزيع المطبوعات..
4 - المرأة تغيب في الأجنحة السعودية الخارجية.. رغم حضورها وتواجدها في كل النجاحات التي حققتها المملكة في كافة الأصعدة.. وهذا الغياب يعكس نظرة دونية تجاه المرأة، ولا يعطيها حقها الطبيعي في أن تمثل نفسها، وتتحاور مع الآخر، الذي يرى أنها مقمعة في مجتمعها، وغير قادرة على تحقيق ذاتها، ومنقطعة عن مجتمعها والعالم الخارجي.. والواقع هو عكس ذلك تماما..
5 - غياب مراكز إعلامية نشطه مرافقة مع الأجنحة السعودية لتوصيل رسالة هذه الأجنحة لوسائل الإعلام في دول مقرات المعارض.. فوجود مشاركات سعودية دون أن يكون مدعوما بمراكز إعلامية قوية ونشطة لن تصل رسالة المملكة - على افتراض أنها واضحة ومحددة - إلى خارج أسوار تلك المعارض.. دور المركز الإعلامي هو عقد مؤتمر صحافي يوضح فيه المشاركة السعودية، وطبيعة الأجنحة المشاركة، ويقدم الشخصيات السعودية التي يفترض أن تكون متواجدة في تلك المعارض.. ويواصل بث الرسائل عن نشاطات تلك الأجنحة إلى وسائل الإعلام في تلك الدولة، ولوسائل ألإعلام الأخرى العربية والدولية والسعودية كذلك..
6 - الغائب الأكبر في المشاركات السعودية وهي التي تستحق جهدا ونشاطا ثقافيا وإعلاميا كبيرا هي مبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله.. على المستوى الوطني والعالمي.. فلا توجد أجنحة تجسد مثل هذه المبادرات بالشكل الاحترافي المطلوب.. ودعوني أسوق هنا بعض من هذه المبادرات الكبرى التي تغيب في مثل هذه المناسبات العالمية:
a- الحوار الوطني في المملكة العربية السعودية.
b - حوار الحضارات وأتباع الأديان.
c- مبادرة الملك عبدالله للسلام في منطقة الشرق الأوسط.
d- مبادرة الملك عبدالله للم الشمل العربي.
e - برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي الذي سيصل إلى أكثر من مائة ألف مبتعث إلى مختلف دول العالم.
f- المدن الصناعية والمالية في مختلف مناطق المملكة.
g- مشاركة المملكة في قمة العشرين، حيث لم يتم استثمارها إعلاميا بالشكل المطلوب..
h- وغيرها من المبادرات التي تمثل إضاءة كبيرة في الحياة السعودية.. وتجسد سياسة خارجية نوعية ورسالة سعودية غير مسبوقة إلى العالم..
المعارض السعودية، والأجنحة السعودية للأسف حتى الآن لم تستثمر هذه المبادرات الكبرى التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين ووجدت لها صدى عالميا منقطع النظير.. لم يتم تجسيدها بصريا على شكل مطبوعات أو صور أو مجسمات أو أفكار أو ندوات أو نقاشات وغيرها.. هذه هي الرسالة السعودية الأولى التي كان من المتوجب علينا أن نضعها في سلم أولويات الحضور والمشاركة السعودية في الخارج..
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkami@ksu.edu.sa