نخطئ حينما نظن أن التركيز على التوعية المباشرة بأضرار المخدرات لها نتائج إيجابية خصوصاً في ظل الطريقة العقيمة السمجة التي تستخدمها وسائل الإعلام المختلفة سواءً كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة.
فعادةً يهرول الإعلام وتنبري أجهزته جميعها للدفاع عن الوطن والمواطن باعتبارها القضية الوطنية الأهم في مقابل خطر الإدمان الذي يداهم الأمة، ويتم تجهيز جميع الأسلحة لمواجهة ذلك الخطر. وينشغل الكثير من الإعلاميين للبحث عن مواد دسمة لتقديمها كعمل تم إعداده بجهد وتعب بالغين، فيذهب البعض منهم لإجراء حوارات مباشرة مع مدمنين، وبعضهم لإجراء حوارات وإعداد تقارير عن مدمنين تائبين، فيما يذهب آخرون لإجراء لقاءات مع منسوبي المصحات النفسية التي تعالج الإدمان، وغيرهم يقوم بإعداد حلقات طويلة ومتعددة مع منسوبي الإصلاحيات أو السجون وآخرون يعدون برامج مطولة عن طبيعة المادة المخدرة وتأثيراتها السلبية على الفرد وعلى المجتمع اقتصادياً وصحياً وأمنياً واجتماعياً ونفسياً.
ويتناسى أولئك المجتهدون أنهم وضعوا المدمن والمادة المدمن عليها داخل حلقة اهتمام المشاهد غاضين الطرف عن نوعية ذلك المشاهد فيغيب عن أذهانهم أن من بين من يشاهد أعمالهم الفذة تلك الشيخ الكبير والطفل والشاب والمراهق والسيدة والفتاة والطفلة، وأنهم بذلك ومن خلال استجوابهم الأرعن للمدمنين وربما تمثيل حلقات عن الكيفية التي يتعاطى من خلالها المدمن للمادة المخدرة، يقومون بجلب انتباه عدد من شرائح المجتمع السنية ولفت نظرهم للإدمان وللمادة المخدرة وما يثير ذلك من رغبات لديهم ربما لتجريبها ودخول عالمها.
أعلم تماماً أن ما يقوم به رجال الإعلام وما يشتغلون عليه ويقدمونه إنما هو نتاج حماستهم لتقديم ما يفيد الوطن والمواطن ولا يوجد لدي ثمة شك في حُسن مقاصدهم ونُبل توجهاتهم، إلا أن الطريقة التي يتم من خلالها تناول الموضوع والأسلوب الذي يتم عبره عرض تلك المواد يخلو من المهنية العلمية التي يجب انتهاجها عند مخاطبة عقول مختلفة وخصوصاً في موضوعات كهذه قد تكون نتائجها كارثية إن حدث فيها خطأ ما.
فما يتم تقديمه في تلك البرامج على أنها برامج توعوية ضد مخاطر المخدرات إنما هي دروس عملية في إبراز المخدر والتركيز على المتعاطي أو المدمن التائب بطريقة لا تخلو من تبجيله والرفع من شأنه وكأنه بطل قومي يجب الانحناء أمامه احتراماً لإرادته وتقديراً لبأسه وقوته.
حتى أننا ومن خلال تلك البرامج قد لقنا أطفالنا معظم أسماء المخدرات وعلمناهم طرق ووسائل تعاطيها بل والحصول عليها وزدنا على ذلك أن من يتعاطى المخدرات ويدمنها ثم يعود لرشده ويتوب عن تعاطيها سيكون بطلاً مسلولاً نصفق له ونساعده ونُشهره ونفرد له اللقاءات التلفزيونية والصحفية والإذاعية ونشير لعمله ذلك بالإنجاز الذي لا يمكن مقارعته.
لا شك أن الهدف السامي من ذلك العمل هو مساعدة المدمنين على الإقلاع عن تعاطيهم وإدمانهم للمخدرات ومساعدة الأسر على اكتشاف بدايات الإدمان لدى أحد أفرادها فضلاً عن حث المجتمع على التنبه باستمرار لمروجي وبائعي المخدرات، لكن يجب أن يتم ذلك من خلال أسلوب علمي مدروس لا يكّرس مفردات الإدمان بين فئات المجتمع المختلفة ولا يمعن في ثبات مفهوم الإنجاز والبطولة لدى المقلعين عن تلك الآفة.
وقد حذرت هيئة الصحة العالمية مراراً من تدخل الإعلام في معالجة قضايا المخدرات والإدمان إيماناً من الهيئة بزيادة انتشار المخدرات كلما زاد التحذير المباشر منها.
بقي أن أقول إن الإنسان قد جُبل على حب الاستطلاع والرغبة في التجريب والمغامرة وهذا ما يؤكده علم النفس، ويزيد بأن كلما تعرض الفرد لمنبهات ومثيرات مختلفة في شأن ما، كلما زاد فضوله للاكتشاف والمغامرة والاستغراق في التجربة.
فرفقاً بنا وبأبنائنا وبناتنا ومجتمعنا يا رجال الإعلام.
إلى لقاء آخر إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com