Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/02/2010 G Issue 13642
الاربعاء 19 صفر 1431   العدد  13642
 
أبو سليمان والآثار الإسلامية
محمد الدبيسي

 

في محاضرته الأخيرة في أدبي مكة يطرح الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان قضية الآثار الإسلامية بوصفها قضية تشغل الناس، وبوصفها قضية تتناهبها قوى وأفكار واتجاهات، يستبق بعضها السجال الفكري, إلى الفعل المادي غير المؤسس على قاعدة يحتمها مجاله، وتقتضيها ضرورة التعاطي والمعالجة. الفعل المادي يتمثّل في إزالة أو طمس هوية المكان الحضارية بإزالة وطمس معالمه وآثاره.

ولأن (الإزالة والطمس) فعلان لا يتكلف القائم بهما مراجعة أولية ولا يخشى تداعيات بعدية, فهما في متناول الإرادة، طالما أن الشعار المرفوع: الحفاظ على العقيدة.. وهو مبدأ قويم لا تملك إزاءه إلا التسليم باقتضائاته؛ شرط أن ينزل منزلته الحقيقية، وشرط أن يُسار به في سياقاته الموضوعية، وأن يقوم عليه أكفاء يدركون حدوده وشروطه وتكييفه بتوازن واعتدال.

طُمست الآثار وهي أعيان المعرفة وشواهد التاريخ, وصوت مسيرة الدعوة، ودوالها المادية. طُمست لأن الشعار كمرجعية رمزية لجور الفعل وسطوته تضرب في أعماق الوعي الجمعي للناس تسليماً يقينياً لا مشاحة فيه. والإزالة والطمس بكل ما فيهما من بساطة، يقاسمان مرجعية الشعار نظام التفكير ومنطق الفهم العقدي، أو تصوره على أقل تقدير. وأقطابهما لا يحتكمون إلى نقاش أو جدل علمي التزاماً بمعايير أو قواعد هكذا إجراء؛ لأن الحوار كركيزة دينية وفاعلية عقلانية منهجية مما لا يعولون عليه، استناداً إلى رمزية الموقع وشعاره وسطوته.

الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان يحتكم إلى وقائع ونصوص تاريخية ويرتكز على وعي ديني وشرعي رصين، ويحيل إلى أدوات منهجية في العرض والسجال والمحاججة، ويرصد مفاعيل ونتائج فكرة الإزالة والطمس، والموضوع «معالم تاريخية» لا يستقيم والأمر كذلك. سؤاله على أدلة تثبت أن هذا أثر أو معلم..؟ ولو كان الأمر كذلك وفقاً لمقتضيات وحيثيات سؤال كذلك. لصرنا أمة بلا هوية - وليس هذا المقال في وارد التفصيل في تعالقات ذلك - ولكن عندما يختار أبو سليمان وهو في تلك المكانة العلمية الدينية اجتراح أسئلة ووقائع لقضية تلك، فذلك لأن الاستهانة بتداعيات الطمس والإزالة على الموروث الثقافي العلمي والآثاري قد بلغ أوجه, وتشويش المفاهيم واختلاق المبررات كالخوف على العقيدة وحمايتها قد ضلَّ طريقه في التطبيق.

عقائد الناس أمرها إلى الله، الذي يعلم ما تخفي الصدور، وقد بلغ الأمر برافعي وسدنة هذا الشعار، مبلغاً قد يسيء إلى العقيدة ذاتها، ولأن تفريغ حواضر الحضارة الإسلامية ومنبع لدعوة (مكة المكرمة والمدينة المنورة) من معالمهما وآثارهما الإسلامية، فيه مساس بموروث الأمة واستلاب لوجدانها، بحجة الخوف على العقيدة. والأمر كما عرضه أبو سليمان في طرحه القيم، يحتاج إلى تأسيس نهج وتأصيل، وموقف يقوم على منهجية علمية صحيحة يصوغها المتخصصون، ويحميها قرار والتزام إداري وترعاها جهة اعتبارية كي لا يضيع ما تبقى... ولله الأمر من قبل ومن بعد.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد