مضى عام.. وستمضي أعوام.. وليست العبرة في الزمان بعديده، وإنما بدروسه وعبره. العام الماضي طوى صفحته بعد أن سجل في كل زاوية حدثاً وقضية؛ ليبدأ راصدو الحصاد في قراءة أبعاده على الصُعد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، طوى صفحته وانضم إلى رصيد الماضي ومخزونه؛ ليضيف إلى صناعة المستقبل زخم الحكمة والتروي. العالم أجمع سمَّر عينيه أمام الساعات؛ ليشهد ولادة عام جديد، ويكون شاهداً على عام مضى، لكن انقضاء العام لا يعني انقضاء أحداثه ونهاية آثاره؛ ففي نهاية العام لا بد من مراجعة ملفات تشابكت فيها مصالح العالم، والوقوف على نتائجها بكل شفافية ووضوح. ولعل أهم هذه الملفات هو الأمن والسلام العالمي؛ فالأسئلة تتجدد مع إشراقة شمس كل عام جديد: هل أصبح العالم اليوم أكثر أمناً؟، هل بات السلام قريباً، وفي متناول طالبيه في بؤر العالم المتوترة؟ وبقدر نمطية هذه الأسئلة ورتابتها إلا أن أي إجابة لا يمكن أن تخلو من حقيقة أن حصاد السلام والأمن قد لا يكون سريعاً، وقد لا يتأتى قطافه في عام أو عدة أعوام، لكن شق الإجابة الضائع يكمن في رعايته والعناية به، والتي تبعث الأمل بنضوجه.
اليوم نخطو نحو عام جديد، والعرب والعالم أجمع مطالبون، أكثر من أي وقت مضى، بإزالة كل العوائق التي تعترض السلام، وكسر التصلف الإسرائيلي الذي لا يزال بعيداً عن التسوية؛ فأرض فلسطين متعطشة إلى سلام على أرضية المبادرة العربية التي تضمن حقوق الجميع، كما أن العراق العربي الغني بكنوز المعرفة والتطور أكثر عطشاً إلى تنمية اقتصادية تفتت الخلافات والصراعات وتعيد اللحمة إلى أبنائه، واليمن السعيد الذي يحزن اليوم بسبب جناية بعض أبنائه ينتظر عودتهم إلى صوت العقل والضمير والحكمة وعدم الارتهان لأجندات لا يمثل اليمن الشقيق ومصالحه في أولوياتها أي اهتمام. وبالنظر إلى الدائرة العربية فإننا نجدها اليوم أمام اختبار عام جديد يحتم على دولها العودة إلى دائرة مصالحهم الحقيقية، والعمل على دعم مواقعهم الإقليمية؛ باعتبارهم أمة ذات حضارة وتاريخ ومصالح ينبغي أن يحترمها الجميع، تحت لواء الأصوات المعتدلة التي تستشعر خطر الأطماع الإقليمية، ولا تراهن على الوهم والزج بمقدرات الأمة إلى الهاوية دون بصر أو بصيرة.
****