Al Jazirah NewsPaper Thursday  10/12/2009 G Issue 13587
الخميس 23 ذو الحجة 1430   العدد  13587
نوافذ
من سرق طفولتهن؟
أميمة الخميس

 

في مركز نسائي تورطت بمشهد تسمرت أمامه بدهشة سرعان ما تلطخت بالإحباط، كان هناك امرأة آسيوية من العاملات يحيط بها طفلتان من رواد المركز ،نضرتان كزنابق الغدير لم تتجاوزا التاسعة, كانتا تثرثران مع العاملة بحماس وصوتهما يحتد بين الفينة والأخرى، لتصب الكثير من تفاصيل الحوار في أذني، لأكتشف بذهول أن الطفلتين قد نصبتا (محكمة تفتيش) للعاملة (إيزابيل).

سألتها الأولى: هل أنت كافرة؟ ولا أدري عن خلفية العاملة اللغوية، ولكن من تعابير وجه الطفلة، حدست العاملة بأن كافرة أمر سيئ، فأومأت بالنفي، سرعان ما طوقتها بسؤال آخر: هل تصلين؟ هل تصومين؟ أم أنك ستذهبين إلى جهنم، ومن ثم أردفت الصغيرة: ستذهبين إلى جهنم سريعاً على صاروخ. واستمر الحوار والجدل الطفولي لربما كانت من خلاله الطفلتان تقطعان وقتهما أثناء انشغال الأم، أو تطبقان درس الصباح؟ لا أعلم، لكنني لم أستطع أن أستجير بستار المبالاة الذي أسدله عادة حولي في المواقف التي تستفز الوعي.

لربما لكونهما بعمر ابنتي تقريبا، وأعي براءة الأسئلة الوجودية في هذا السن، ومحاولتها اكتناه ملغزات الكون حولهما، وتبدى لي أن الطفلتين قد افترسهما بث أيدلوجي مكثف أخفى ملامح البراءة والطفولة وعالم مطوق بالحب والوداعة والفراشات والزنابق إلى كون صارم قاس منشطر نصفين يفهرس العالم وفق رؤية مغلقة على يقينها.

اقتربت منهن وقلت لهما: هذه عاملة مسكينة تجعل هذا المكان جميلا، لم لا تتركانها وشأنها؟ أجابت الكبرى: أنا كنت أنصحها.

فقلت: هي أكبر منك وتدري مصلحتها، وقضية جهنم علمها عند ربي هو الذي يعاقب من يشاء ويغفر لمن يشاء.

صمتت طفولتهن البريئة لم يكن لديهن أدوات للجدل، واكتفتا بأعين متسعة بالفضول والاستغراب.

ورافقتني اللوعة بعدها طويلا لم تفلح الألوان والأعراق واللغات المتعددة التي تعيش بيننا منذ عشرات السنين، أن تفتح صناديقنا المصمتة، لم تستحث كوامن التعايش والتسامح والقبول, بل على العكس وظفنا اختلافاتهم في عملية فهرسة وانتخاب تطمس جانبا مضيئا لتاريخنا، فلطالما كان الآخر المختلف جزء من نسيجنا عبر التاريخ، (فقه أهل الذمة).

جميع مكونات التعايش والتسامح والقبول الموجودة في جنبات تراثنا مهملة ومحيدة، بينما يطغى على بعض طروحات الخطاب الديني لدينا لغة تجييش وعسكرة وجعل العالم حولنا ميدان حرب متصلة مستنزفة للطاقات، وجه الفتاتين لم يفارقني كنت أشعر بأن في أدمغتهما النضرة الفتية التي خلقها الله للاكتشاف للدهشة للمحبة والفضول وامتلاك مفاتيح الإبداع، ينمو جدار يرتفع عاما تلو الآخر وجيل أثر الذي سبقه، فيقصيهما عن معاني الإنسانية الشاسعة, والكون المتعدد الألوان والأطياف، والكرامة الإلهية لآل آدم في البر والبحر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد