كنا عدداً من الإعلاميين نتجاذب أطراف الحديث وأواسطه لنجده جميعاً يصل إلى شاطئ جدة حيث الجثث التي تناثرت على جنبات ضياع المسؤولية... مَن المسؤول؟ كان أكثر الأسئلة حضوراً بيننا يرمق كل متحدث فينا وكأنه يستخف بتحليله.. استيأست الحروف لتجتمع بباب خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله الذي عالج بيانه الصادر أمس الأول قلوب المواطنين بكلمات الأبوة والمسؤولية (تابعنا ببالغ الحزن والألم الأحداث المأساوية التي نتجت عن هطول الأمطار على محافظة جدة...) لم يكن بياناً إنشائياً ولا ردة فعل دون روية بل امتداد لمشروع إصلاحي ثابت عماده الأمانة والإفصاح.
مضامين القرار الملكي تتجاوز في نظري مجرد احتواء أزمة ومعالجتها جزئياً، فوضوح البيان يغني عن البيان حوله.. رسائل لكل المعنيين بخدمة المواطن والمقيم على هذه الأرض المباركة بأن كفاءة الأداء معيار حمل المسؤولية الوحيد وان لا أحد فوق المساءلة والحساب حتى ولو بأثر رجعي، فالبقاء دائماً لمصالح الوطن التي لا تنتهي بانتهاء خدمة المكلفين بتحقيقها.
أصول الوطن وبنيته التحتية خط أحمر لا توجد ممحاة لتزيله فتشكله وفق المصالح الضيقة والذاتية.. مقارنة الكارثة بحجم الأمطار التي تهطل في الدول المتقدمة كانت رسالة واضحة بكفاءة المعايير التي يتطلع إليها خادم الحرمين الشريفين في إنشاء أصول الوطن وبنيته التحتية فيجب أن نحظى بجودة أصول تتناسب مع ما ندفعه من المال العام، رفع سقف المساءلة وإطلاق يد اللجنة في طلب إفادة ومساءلة كائنا من كان تمثل لغة واضحة ودرعاً حصيناً لحماية الوطن وأبنائه من المقامرين بالمصلحة العامة على حساب مصالح المواطنين.. شجاعة الإفصاح والتصدي للأخطاء جزء من الوعي الإداري المرتبط بجدية التحديث وتحسين الأداء، وفي البيان الملكي الكريم الإصرار على أن الوطن يملك شجاعة الإفصاح التي تنير له الدرب وتستطيع التفرقة بين خطأ الجهل والقصد..
الإصرار على توجيه البوصلة باتجاه الخطأ وعدم التأثير في دقته كان واضحاً في بيان المليك، فعلى الجميع الالتزام بالتعاون التام والشفافية مع هذه اللجنة والرفع لخادم الحرمين الشريفين شخصياً بمن لا يلتزم بذلك.... حرص المليك على ألا تكفكف دموع أيتام الشهداء الغرقى ولا يداوي جروح المصابين إلا نتائج أعمال اللجنة الشافية بدت واضحة في عبارة الأب الحاني (على اللجنة الرفع لنا بما تتوصل إليه من تحقيقات ونتائج وتوصيات بشكل عاجل جداً)..
من الصعب الإلمام بمضامين قرار الملك العادل عبدالله بن عبدالعزيز، فكل حرف منه كتبته الأمانة والمسؤولية والرفق بأبناء هذه الأرض المباركة ومن يعيش عليها من الأشقاء والأصدقاء، كلمات تستمد قوتها من طلته المهيبة وعطفها من ملامح الرحمة التي يمتاز بها وجهه الصادق... أخيراً كل ما نتطلع إليه أن تكون هذه اللجنة نواة للإصلاح الإداري، فلاشك أن تعمق هذه اللجنة في تقصي ما حدث في جدة سيحمل تحليلاً عميقاً لأبعاد آليات ترسية المشاريع وأولويات تنفيذها وتوقيت تكاملها والثغرات التي ينفذ منها الفساد أو الخطأ والتقصير وهو ما نتمنى أن يحمل في طياته إصلاحاً جذرياً لأداء الوزارات والمؤسسات الحكومية في التعاطي مع مشروعات البنية التحتية والأصول الوطنية... أخيراً لا يمكن أن أتجاوز حقيقة أن حزم المليك وغضبه تسبقه رحمته وعطفه فلم تأخذه غضبة الخطأ عن رحمة المنكوبين ومداواة جراحهم فبادر حفظه الله إلى تضميد جراحهم أولاً دون تفريق بين مواطن أو مقيم وهو ما يؤكد أن هذه البلاد بلد الأمن والعدل والإحسان.