Al Jazirah NewsPaper Sunday  29/11/2009 G Issue 13576
الأحد 12 ذو الحجة 1430   العدد  13576

أشموس من أرض نجران تبدو؟: (كاريزما التفاؤل)
اللواء الدكتور محمد فيصل أبو ساق

 

شهدت نجران خلال الأشهر القليلة الماضية سلسلة من الاحتفالات والأفراح سبقت مناسبة عيد الفطر المبارك، واحتفالات اليوم الوطني وصاحبتها أيضا ثم تبعتها ولا تزال كذلك، تضفيها شخصية سمو أمير المنطقة. احتفالات في مخيمات وضيافات الأهالي وفي الاستاد الرياضي الكبير وأخرى

في النادي الأدبي وفي جمعية الثقافة والفنون وفي الغابة ومنتزه الملك فهد العام. زيارات ولقاءات متعددة في قصر الحكومة القديم، وفي نجران القديمة والأسواق الشعبية. وزيارات للآثار وللأخدود ولسد وادي نجران ولقرى نجران المنتشرة على ضفتي الوادي الأخضر.

وتعيش نجران مرحلة من التفاؤل بغد مشرق، وتواصلت هذه الاحتفالات مع مناسبة عيد الأضحى المبارك وتستمر بعدها إن شاء الله. وحيث لا أقيم هناك بصفة دائمة فقد ترددت على نجران عدة مرات خلال الأشهر القليلة الماضية وبالتالي عشت نفس المشاعر وأنا في نجران ولمست نفس الانطباعات من الآخرين أيضا وأنا خارج نجران.

كان سمو أمير نجران مشعل بن عبدالله ولا زال الباعث والراعي لهذه الحالة الجميلة في أرض نجران وبيئتها الاجتماعية. إنها حالة إيجابية تتكرر ولله الحمد في نجران وفي غيرها من مناطق المملكة من حين لآخر. وحينما أتابع أخبار نجران وما فيها من مسرات وبشائر نحو مستقبل أفضل إن شاء الله أتذكر قول الشاعر في أهم مناسبة في تاريخ نجران الحديثة:

أشموس من ارض نجران تبدو؟

فيضيء الحجاز منها ونجد

أم سنا البرق لاح في أفق المجد

فأمسى له وميض ووقد

بيتين من قصيدة طويلة للشاعر عبدالله بن عمر بلخير نشرت في جريدة أم القرى ص3 يوم الجمعة 13 جمادى الأولى 1353هـ، وقالها في حفل استقبال (الأمير سعود بن عبدالعزيز)، ولي العهد السعودي حينئذ وهو عائد من نجران. وكان ولي العهد قد وصل مكة المكرمة صباح الجمعة الموافق 6 جمادى الأولى 1353هـ قادما من نجران عن طريق البر فأقيمت الأفراح والاحتفالات في المناطق التي توقف فيها وخصوصا الطائف ومكة المكرمة.

وقد كانت سنوات الملك المؤسس بداية حقيقية للتلاحم الوطني الذي يعبر عنه في المناسبات المتعددة كتلك القصيدة وغيرها، وليس ذلك إلا دليلا على رؤية عظيمة وضعها الملك عبدالعزيز للبلاد مع اللبنة الأولى للتأسيس. قد حققت رؤيته - يرحمه الله - نجاحات وانتصارات بتوحيد البلاد وبنائها ووضع أسس استقرارها. وهاهو عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - تتسارع فيه الأحداث لتضيف سجلا زاخر بالمنجزات يضاف إلى تاريخ ما سجله تاريخ الملوك السعوديون. فلكل حقبة زمنية تحدياتها وفرصها ومعطياتها ونتائجها. والملك عبدالله بن عبدالعزيز يقود البلاد اليوم في وسط مستجدات وتحديات عالمية غير مسبوقة ويحقق لبلاده أروع النتائج ويجعل البلاد على بوابة واعدة نحو غد مشرق إن شاء الله تعالى.

وبحكم كثافة وسائل الاتصال والمعلومات فقد تحولت المملكة إلى ما يشبه البيت الواحد في التواصل والاطلاع وتبادل المشاعر نحو الأحداث العامة والخاصة. وقد حظيت أفراح نجران المتواصلة وبيئته الإيجابية بالكثير من المشاعر الوطنية من كثير من أبناء الوطن؛ وهذا في المقام الأول ليس مستغربا على مجتمعنا الوفي.

وليس نجران وحدها فبلادنا تعيش ورشة عمل كبرى في شتى مجالات التنمية تحقيقا لرؤى واستراتيجيات الملك عبدالله بن عبدالعزيز للقفز بالمملكة وجعلها تحتل مكانة تليق بها في صفوف الدول الأكثر تقدما، وتلك شؤون تبعث على الفرح والسعادة والتفاؤل. وقد سخر الملك عبدالله بن عبدالعزيز الميزانيات الكبرى وجعل رؤيته العليا أن ينتقل المجتمع السعودي ليصبح مجتمع معرفة قادر على التأهيل والتدريب والإبداع والإنتاج الصناعي لسد ثغرات كبيرة في حاجة البلاد.

ومن الطبيعي أن تتحقق الآمال والطموحات في البيئة الإيجابية والمتفائلة وتتعثر في بيئة مغايرة. وقد حظيت نجران بمحبة زوارها وتفاؤل أهلها، ونتمنى لها نصيبا وافرا من عهد البناء الراهن الرامي إلى نقل المملكة وتحويلها إلى مجتمع معرفة منتج ومتفاعل. ولعلني هنا استعير أبياتا للدكتور زاهر بن عواض الألمعي الذي أقام في نجران في منتصف الثمانينات الهجرية الماضية وقال فيها:

نجران يا مهدًا أناخ بسفحه

شم الأنوف، وفي رباك ترعرعوا

نجران من قدم العصور تحدثوا

عنك الرواة فمجدوك وأبدعوا

واليوم ترفل في ذرى العهد الذي

أمسى منارًا في الجزيرة يسطع

ومن يعرف طبيعة نجران وطبوغرافية أرضها واعتدال مناخها وما فيها مكامن الجمال والجذب يدرك معاني قصيدة الشاعر السوري الأستاذ سهيل متو حين قال: ..

(نَجْرَانُ) فِيْ وَسَطِ الْجِبَال ِ مَلِيْكَةٌ

غَنَّيْنَهَا وَكَأَنَّهُنَّ قِيَانُ

وَكَأَنَّهُنَّ أَسِنَّةٌ يَحْرُسْنَهَا

أَمِنَتْ بِهِنَّ إِذْ اطْمَأَنَّ جِنَانُ

تَغْفُو عَلَى ظِلٍّ يُنَاعِسُ طَرْفَهَا

وَسَدِيْرُ نَخْلٍ حَوْلَهَا وَسْنَانُ..

(نَجْرَانُ(مِن ْ (رَقُمَاتَ (مَمْلَكَةٌ لَهَا

مَجْدٌ عَرِيْقٌ شَادَهُ الْشُّجْعَانُ

(أُخْدُوْدُ(حَاضِرَةُ الْبِلادِ وَرَمْزُهَا

فَسَلْ الْصُخُوْرَ حَرَارُهَا نِيْرَانُ..

(نَجْرَانُ(تَارِيْخٌ وَآَثَارٌ عَلَىْ

صَفَحَاتِ سِفْرٍ خَطَّهُ الإنسان

وَحَضَارَةٌ عَبْرَ الْعُصُوْرِ قَدِيْمَةٌ

هَذِيْ الْدَّوَاْرِسُ لِلْشُّهٌوْدِ عَيَانُ

وَالْيَوْمَ هَا هِيَ فِيْ الْحَقِيْقَةِ جَنَّةٌ

يَحْيَا عَلَىْ رَغَدٍ بِهَا الْسُّكَّانُ

وَلَقَدْ حَبَاهَا الله خَيْرَ طَبِيْعَةٍ

خَلاَّبَةٍ بِنَبَاتِهَا تَزْدَانُ..

نَجْرَانُ يَا ذَاتَ الْجَمَالِ تَرَبَّعِيْ

عَرْشَاًً خَلا لِمُنَاْفِسٍ مَيْدَانُ

ثُمَّ اكْشُفِيْ الْلَّبَّاْتِ عَنْ أَكْنَاْنِهَاْ

يَاْ أَيْلَةً مِنْ دُوْنِهَاْ الْغُزْلانُ

الْقِرْطُ فِيْ أُذُنَيْكِ مِنْ وَهَجٍ كَمَا

غَلَبَ الْسَنَا فَِيْ دُرَّةٍ لَمَعَاْنُ

يَأْبَىْ الْجَمَاْلُ تَسَتُّرَاً فَتَأَلَّقِيْ

تَتَأَلَّقِِ الأَيَّاْمُ وَالأَكْوَاْنُ

(نَجْرَانُ) إِنَّكِ بِالْفُؤَادِ مَصُوْنَةٌ

أَضْنَى فُؤَادِيْ فِيْ الْهَوَىْ خَفَقَانُ

إِنِيْ مُحِبٌ لا تَصُدِّيْ عَاشِقَاً

(نَجْرَانُ) إِنَّكِ لِلْهَوَىْ عُنْوَاْنُ

وحيث نهنئ أنفسنا في نجران ونهنئ وطننا العزيز بدوام الأفراح والأعياد والمناسبات الخيرة في كل شبر من ارض المملكة، فإنني كذلك أهنئ صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز أمير منطقة نجران على مكانته العزيزة في نفوس الناس وأتمنى له مستقبلا زاهر ليواصل مسيرة الخير في ظل رؤية ملكية حكيمة تعم بلادنا بمقومات النهضة والبناء. وأقول ما قال محب لنجران في قصيدته التي نضمها عام 1391هـ وهو الشاعر المصري الأستاذ/ أحمد ألبدري:

سل النزيل بها هل زرت من بلدٍ

في غير نجران يجري الحسن ريّانا

وهل رأيت السما يومًا وقد نقشت

بها السحائب أشكالاً وألوانا

وهل تعبت إذا ما سرت مبتسمًا

ترى الطريق جميلاً أينما كانا

وقد استوى متنه لا شيء يزعجنا

إذا مشينا ولا نرتاد بركانا

وجوها الصحو، ليس البرد يزحمه

ولا السعير ولا الهوجاء أحيانا

يعيش فيها قرير العين في رغدٍ

كل الذي زارها شيبًا وشيبانا

وفي الختام أشير إلى أن نجران مثل غيرها من بلادنا جميلة بسكانها وبمقومات أرضها، ولكنني أيضا أعرف أن كل مؤسسة إدارية مهما كبر أو صغر حجمها، لها ثقافة تشكل بيئتها وتعكس ملامحها. تلك الثقافة تعرف في مصطلحات القيادة الإدارية على أنها (البيئة الإدارية) و(المناخ الإداري) وعلى المستوى الصغير يقال لها (فلسفة القيادة)، وهي اثر ثقافي جماعي يحدث بسبب مجموعة مقومات تعزى لفلسفة ورؤى وسياسة القيادة الإدارية التي تقف على قمة الهرم في المؤسسة. ولعلني أختتم بقناعتي أن في شخصية الأمير مشعل بن عبدالله بن عبدالعزيز سمات نبيلة من أبرزها (كاريزما التفاؤل)، وأعزو لتلك السمات حالة نجران المتفائلة. وبحكم مكانته كحاكم إداري فإن تلك (الكاريزما) تؤثر في المناخ العام، وتمتد إلى حيث حدود نجران الاجتماعية والطبيعية، عبر تواصل سموه وتفاعله مع الناس، وأتمنى لنجران وغيرها من مناطق بلادنا سعادة دائمة ونمو مزدهر.

mabosak@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد