Al Jazirah NewsPaper Wednesday  28/10/2009 G Issue 13544
الاربعاء 09 ذو القعدة 1430   العدد  13544
مطر الكلمات
فقيد الوطن ذو الأمانتين
سمر المقرن

 

ليسمح لي زميلي رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك، بالتصرف في عنوان كتابه: (فقيد الشورى ذو الأمانتين) لسبب بسيط، وهو أن هذا الكتاب الصادر لتوثيق المقالات التأبينية المكتوبة بعد رحيل الدكتور صالح بن عبدالله المالك، تؤكد على أن الراحل هو فقيد هذا الوطن كله وليس مجلس الشورى وحده.

قد لا أكون أعرف الفقيد من الداخل، لكني بالطبع أعرفه جيداً كمثقف وشاعر ورجل دولة، أتذكر ذات مرة قبل حوالي أربع سنوات وقتها كنت أعمل على المتابعة الصحافية بعض ما يدور في ثنايا المجلس، وحديثاً كان يدور بيننا معشر الصحافيين حول أعضاء الشورى المتعاونين مع الصحافة، والذين لا تستغرق إجابتهم على الهاتف شهوراً طويلة، أيضاً كنا نبحث سوياً عن أعضاء المجلس الذين يردون بأنفسهم على هاتفهم المباشر ولا نصطدم بمدير مكتب يقوم بتصريفنا كما يحدث بعض الأحيان، وقتها ذكر لي أحد الزملاء المتابع لجلسات الشورى اسم الدكتور صالح المالك - رحمه الله - كأحد المتعاونين مع الصحافة وأنه لا يبخل بأي معلومة حتى وإن لم يظهر اسمه في المادة الصحافية، إلا أنه في ذلك الوقت كان في رحلة علاج خارج السعودية، بعد هذا الحديث ببضعة أشهر كنت احتاج تجهيز مادة صحافية عن مجلس الشورى، واستعنت بالقائمة التي وفرها لي مكتب العلاقات العامة بالمجلس، وكعادة الصحافيين الوقت يدركنا، ولا نستطيع انتظار الرد على الخطابات البيروقراطية، أخذت أتصل بكل أرقام الهواتف التي أمامي ولم أجد رداً يُشفي مادتي الصحافية التي أعمل على إعدادها، وقع بصري لحظتها على اسم أمين عام المجلس الدكتور صالح المالك، وتذكرت الحديث الذي دار عنه وفي نفسي أقول لا أتوقع منه رداً فهو في رحلة علاج، ومع ذلك لم يمنعني هذا السبب من الاتصال لعلي أجد من يجيبني نيابة عنه، لكنني فوجئت به يرد على الهاتف، ويتجاوب مع أسئلتي بكل تواضع ولم يدخر في تلك اللحظة أي معلومة تفيدني وتثري مادتي، مع أن صوته كان متهدجاً بالتعب والإعياء، رحمه الله لقد كان خبر وفاته خبراً حزيناً على كل من عرفه ومن لا يعرفه، لأن أعماله كانت وحدها تُعرّف به.

هذه الحكاية أرويها بعد أن اطلعت على الكتاب الذي قام بإعداده الأستاذ خالد المالك، جمع فيه ما نشرته الصحف من مقالات مفعمة بالحب الصادق، لأن العاطفة الحقيقية هي التي يتم الإفصاح عنها بعد الموت، فكم من مقالات تُكتب حول الأحياء بغية مصلحة دنيوية، وحين يموت من لديه تلك المصلحة لن يجد ذاك الذي يُمجده بالمقالات والقصائد وأشكال المديح بعد وفاته، إلا أن هذا الكتاب ومع كل ما تضمنه لهو لمسة وفاء لرجل رحل عن هذه الدنيا، لكنه تمكن بأعماله وأخلاقه أن يظل حياً في وجدان هذا الوطن.

رحم الله الدكتور صالح المالك، وبارك الله في الناس الصادقين الذين يجاهدون لإبقاء سيرة هؤلاء الأموات (جسداً) أن تبقى روحهم العطرة بيننا طيلة حياتنا، نستمد من تلك الأعمال وتلك الكلمات شيئاً من عبق الوفاء الذي شح وجوده في زمن كهذا لا تُسيره إلا المصالح والمطالب الدنيوية.

إن ثروة الإنسان الحقيقية تظهر بعد رحيله في حب الآخرين وتذكرهم له، ولعل أولئك العمالقة يرحلون وهم خالدون في تاريخ ذاكرتنا بأعمالهم وسيرهم وأخلاقهم التي تبقى ولا تدفنها الرمال.

www.salmogren.net



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد