توفي رسول الإسلام الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بعد أن بلّغ رسالة الإسلام، وبعد أن وحّد جزيرة العرب ديناً وأرضاً، وهذا حدث في العقود الثلاثة الأولى من القرن السابع الميلادي. وبعد وفاته عليه أفضل الصلاة والسلام قام بالأمر من بعده الخليفة ..
..أبابكر الصديق ومن بعده الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما. فلو أنّ هذين الخليفتين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب قنعا بما آلت عليه جزيرة العرب بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وخافا على المسلمين العرب من أن يختلطوا بأمم وشعوب أخرى، لظل العرب في جزيرتهم مع إسلامهم لوحدهم، أو حتى أنّ الإسلام بقي في المدينة المنورة فقط، ولما قامت حضارة عربية إسلامية، عظيمة امتدت من حدود الصين شرقاً إلى وسط قارة أوروبا غرباً. وبما أنّ للتاريخ والزمان والإنسان فعلها في ضعف حضارات، وسقوط حضارات، وقيام حضارات جديدة أخرى. وفعل التاريخ والزمن والإنسان في الحضارات ينطبق أيضاً على أحوال الدول، مع أنّ المحور الأساسي في كل هذا هو الإنسان. ونحن نعرف اليوم أن الحضارة العربية الإسلامية في أوج ضعفها وتقهقرها، وكذلك هو الحال بالنسبة للدول العربية، وهذا لعدة أسباب لا تخفى على العارف بالتاريخ وتداعياته، والزمان وأحواله والإنسان وتصرفاته. وما يهمنا هنا هو كيف كان حالنا كبشر قبل وبعد توحيد المملكة، فقبل التوحيد كان الناس في نجد والحجاز وعسير والمنطقة الشرقية وشمال المملكة في عزلة شبه تامة عن العالم والجهل والخرافات والقبلية ضاربة أطنابها بين الناس، وكل متقوقع على ذاته إما في قريته أو في الصحراء مع ما شيته .. والكل يفتقد إلى أبسط مقومات الحياة .. والذي حدث بعد ذلك أنه في بداية العقد الرابع من القرن العشرين ثم توحيد هذه المناطق في كيان واحد هو المملكة العربية السعودية، قام به بعد مسيرة طويلة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله -، وبعد التوحيد حدث وما يزال يحدث في المملكة تطور عظيم، وأهم تطور حدث هو التطور في التعليم في جميع مراحله، وقد وصلت قمة هذا التطور بافتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لتكون رديفة للجامعات ومراكز الأبحاث الأخرى.
نحن الآن في نهاية السنة التاسعة من العقد الأول للقرن الواحد والعشرين، ووصل التعليم عندنا إلى ما وصل إليه من تقدم وخصوصاً التعليم الجامعي والذي هو عنوان للتطور في أي بلد كان لأنه هو المموّل للتطورات الأخرى .. ولكن، ومع الأسف، يوجد أناس من بيننا يبدو أنّ عقولهم وأفكارهم متوقفة عند بداية العقد الرابع من القرن العشرين، فدأبهم في وقتنا الحاضر إثارة مواضيع أكل الدهر عليها وشرب، اعتقاداً منهم أنّ هذا حماية للدين .. والمشكلة في مثل هؤلاء أنهم لم يتبينوا أنّ للتقدم والتطور ضريبة دفعتها شعوب وأمم قبلنا، فعالم اليوم، غير عالم الأمس، فالدول التي تعتز بذاتها في عالم اليوم هي التي تسعى لامتلاك العلم والمعرفة والتقنية، وجميع أسباب القوة حتى تحافظ على كيانها .. صحيح أنّ شعب المملكة شعب ينتسب إلى حضارة إسلامية عربية كانت عظيمة، ومصيرها اليوم في أيدي أبنائها ووسيلتهم في الوقت الراهن هو العلم والمعرفة والاستفادة من الخبرات الدولية سواء بالذهاب إليهم أو قدومهم للعمل عندنا، لأنّ الضعيف المتقوقع على ذاته لا مكان له في هذا العصر، فالذي يريد أن يتقدم ويقوى فعليه أن يتقبل السلبيات التافهة، إنّ المواطن الواعي هو الذي يدرك ما يحيط ببلده من أخطار سواء من جهة الشمال والجنوب وجهة الشرق، وهذه الأخطار لا يمكن أن يتصدى لها إلاّ بالعلم وامتلاك القوة وأن تكون يد المواطن بيد أولياء أمره لتحقيق ذلك.
لقد ذكرنا في مقدمة هذا المقال موقف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو إشارة إلى أنّ بعض الرجال لها تأثيرها العظيم في التاريخ البشري وصناعته وتكوين الحضارات والدول ... ولهذا نقول: الملك عبد العزيز وحّد هذه البلاد وأبناؤه وعلى رأسهم الملك عبد الله بن عبد العزيز يقولون لنا: هذا هو الطريق أمامكم باتجاه التطور واتركوا عنكم ما يعيق تقدمكم.