على الرغم من إعلان منظمة الصحة العالمية - بحسب الكثير من المصادر - رفع حالة التأهب لمواجهة المرض ورفع مستوى خطورته وتسميته بالوباء كأخطر وباء في القرن الحالي وقامت على أثر ذلك العديد من الدول بأخذ الاحتياطات اللازمة والإجراءات الاحترازية الكفيلة..
..بعدم انتقال المرض وانتشاره، منها على سبيل المثال لا الحصر إيقاف الدراسة وإغلاق المدارس وغيرها كثير من الإجراءات التي تكفل حدوداً دنيا لعدم انتقال المرض وانتشاره، فبحسب المنظمة سابقة الذكر فإن الوباء بأنواعه الأربعة التي تمَّ اكتشافها ينتقل من خلال السعال والعطاس وملامسة الفم والأنف والأغشية المخاطية الملوثة بالفيروس، وما يزيد الحالة صعوبة هو تشابه أعراض المرض بأنواعه الأربعة تلك مع الإنفلونزا العادية التي عادة ما تصيب الأطفال بكثرة وخصوصاً في أماكن تجمعهم ولعبهم كالمدارس، أقول بالرغم من ذلك إلا أنني ما زلت أؤمن بأن المرض قد أُحيط بهالة إعلامية جعلت منه وباءً عالمياً يجب أخذ الاحترازات اللازمة له.
العجيب أن الاحترازات والاحتياطات تلك قد بُنيت على اجتهادات شخصية وتوصيات تكاد لا تتعدى آراء بعض العاملين في حقول غير علمية ولم نلقِ بالاً للآراء العلمية التي عادةً ما تأخذ وقتاً طويلاً للظهور كونها تُبنى على حقائق وأرقام، وليس على أهواء ومصالح فردية.
فقد خرج من طالبَ بإيقاف الدراسة وعدم اختلاط الناس ببعضها البعض وعدم السفر وعدم إقامة الاجتماعات وعدم السلام باليد والتقبيل الذي عادةً ما يتبعه وعدم الاقتراب من الأشخاص في الطرقات والأماكن المزدحمة، وذهب فريق آخر بتوجيه النصح بضرورة تناول بعض الحبوب والأعشاب التي ثبت أنها مؤثرة في رفع مناعة الجسم، وبالتالي الوقاية من ذلك المرض ما أخرج علينا العشرات من أطباء الأعشاب الذين يقدمون النصح للجميع بالمجان، فبعضهم ينصح باستخدام زهرة اليانسون، وآخر يؤكد على ما يُسمى بالمليسه، وثالث اكتفى بالنعناع وغيره بالبصل والثوم، ثم بعد أن انتهت معظم الأعشاب التي يعرفها رجل الشارع خرج علينا من ينصح بعمل خليط من بعض الأعشاب وزاد غيره على ذلك بأن بدأ ينتقد ويحذر من تناول خليط أو عشبة لأنها لا تقوم بمفعول إيجابي في مكافحة المرض.
لا أجد حقيقةً ما يمنع خروج هؤلاء ولا غيرهم والقادم أكثر لأن المجال قد تُرك لهم، وآثر كثير ممن يملكون المعلومة عدم الإدلاء برأي، أو ربما لعدم قناعتهم أصلاً بوجود مرض.
لا أنكر حقيقةً وجود أمراض، ومنها ما تم تسميته بإنفلونزا الخنازير، لكنني بالضرورة أنكر تماماً ردود الفعل والمحاذير التي أُمليت علينا، فقد مرَّ خلال الأشهر الماضية عدد من المناسبات العامة التي اجتمع فيها خلق الله ولم يحدث ولله الحمد والمنة أن أُعلن عن إصابات أو وفيات بالمرض، فهذا موسم رمضان المبارك والعشر الأواخر فيه قد انتهى، وقد اجتمع الناس في بيت الله الحرام دونما حدوث إصابات تُذكر، وهذه المناسبات الرياضية التي تُعقد باستمرار ونرى فيها الآلاف، ولم نسمع عن حدوث إصابات أو وفيات، وهذا موسم انخفاض درجات الحرارة في دول كثيرة في العالم قد هلّ ولم يحدث ما تم التحذير منه من أن الفيروس ينتشر من خلاله.
الإشكالية التي نعاني منها باستمرار هي غياب المعلومة الصحيحة التي يجب أن يتم تزويد الناس بها على نحو مفهوم ودون إثارة، لقد نبهت في غير مناسبة على ضرورة تعزيز ثقافة التصريح الإيجابي وحصر التصريحات والأحاديث المسموعة والمقروءة والمرئية لذوي الاختصاص، تلك المعلومة التي يتلقفها رجل الشارع الذي يهمه بالدرجة الأولى حياته وحياة أسرته وأطفاله.. لقد دأبت وسائل الإعلام على سرد أرقام لإصابات ووفيات على مدار الساعة دون أن تأتي على ذكر الحالات التي أُصيبت وتم شفاؤها، فيسمع رجل الشارع باستمرار أرقاماً لوفيات جراء المرض، ولا يسمع أرقاماً لحالات تمَّ علاجها، هو لا يسمع أن عدد من توفي بمرض إنفلونزا الطيور لا يتجاوز ثلاثمائة شخص في العالم بمجمله، وهو أي مرض إنفلونزا الطيور الذي خُيّل للجميع أنه طاعون العصر الذي سيفتك بالبشرية لا محالة.
الأمصال المضادة للمرض تم اكتشافها خلال أسابيع أو أشهر قليلة، وهو عُرف غير معقول إطلاقاً في عالم الطب الذي عجز حتى الآن وخلال عقود عن اكتشاف علاج أو مصل للسِيدة أو الأيدز وغيره كثير من الأمراض.. وقد فُتح أيضاً بسبب غياب المعلومة الباب مجدداً أمام تكهنات الكثير حول الأعراض المميتة لهذه الأمصال.
كل ما نرجوه أن تقوم وزارة الصحة قبل التصاريح والإعلان والتطمينات أن تفحص اللقاحات القادمة إلينا قبل أن تبدأ حملتها بالتطعيم، وذلك خشية أن يتكرر ما حدث في الأمصال التي تمَّ إنتاجها في فبراير 2009م والتي اكتشفت آثارها السلبية دولة التشيك.. إلى لقاء قادم إن كتب الله.