الثقافية - علي بن سعد القحطاني
فضّل الدكتور عبد العزيز المانع أن يكون حديثه مستنداً على التوثيق ولغة الأرقام، وذلك في دورة (تحقيق المخطوطات) المقامة ضمن الأنشطة الصيفية للنادي الأدبي بالرياض، وقال في بدء حديثه مستهلاً بالفارق الشاسع في الاهتمام ب(المخطوطة) بين الشرق والغرب وضرب مثلاً بشخصية بكارل بروكلمان (1868 - 1956) صاحب المصنفات الجليلة في خدمة التراث العربي والأدب, وأوضح المانع أنّ عدد المخطوطات العربية في العالم لا حصر لها، ويكفي أنه اكتشف بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وجود خمسين ألف مخطوطة، وقرأ المحاضر من كتاب تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين المجلد المخصص عن مجموعات المخطوطات العربية في العالم، ونوّه بجهود سزكين في اكتشاف مخطوطات جديدة للشعر والشعراء ثم قرأ شذرات منه، ولضخامة كتاب سزكين، فإنه أوقف إحصاءه العلمي عند سنة 450 للهجرة، وتساءل المانع عن همم العرب الغائبة عن الاهتمام بالتراث والمخطوطات، وأحصى سزكين عدد المكتبات الموجودة فيها المخطوطات العربية على مستوى العالم فوجدها (1673) - ثلاث وسبعون وستمائة وألف مكتبة - من خلال رحلاته، حتى إنه ذكر بعض مكتبات نجد بعد اطلاعه عليها، ويقول المانع إن أندر المخطوطات ما تكون أصلية وتكون عادة مكتوبة بخط مؤلفيها، وأشار الدكتور عبد العزيز المانع إلى وجود المخطوطات النادرة في جناح صائب بمكتبة جامعة أنقرة وهي مغلقة منذ الثمانينات وحالياً يجرى لها الفهرسة بمحتوياتها، وسوف تفتح أبوابها وسأذهب إليها بعد العيد - إن شاء الله تعالى - وذكر المانع أن بعض المحققين قد يقع في لبس، فقد ظن د. إحسان عباس أن كتاب (الزهر الباسم) لابن قلاقس مفقود، ومن العجب أن صاحب الكتاب كان شاعراً ورئيس الطائفة العربية في صقلية وقد وفد إلى سلطانها وأعطاه شيئاً من الهدايا لكي لا يقوم بحرب على الأسكندرية، وبعطية الشاعر للسلطان يكون قد كسر العرف السائد إذ من المتعارف عليه أن الشعراء يذهبون إلى السلاطين من أجل أن ينالوا الهبات والعطايا لا كما فعله ابن قلاقس, وبالرجوع إلى كتاب فؤاد سزكين ذكر المانع أن (أيا صوفية) تضم 5053 مخطوطة منها 3285 مخطوطة عربية، والمكتبة السليمانية تضم كماً هائلاً من المخطوطات تبلغ 63908 منها 48884 مخطوطاً عربياً، ويذكر في هذا الشأن أن المخطوطات العربية كانت تباع بالأخياش في الحراج باستانبول في السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم، وتقدر المخطوطات العربية الموجودة في تركيا ب4 ملايين مخطوطة، ومن ثم ّ تحدث الدكتور المانع عن المخطوطات الموجودة في المملكة العربية السعودية نقلاً عن كتاب د. فؤاد سزكين المشار إليه آنفاً، حيث تضم مكتبة آل عبد القادر الخاصة بالأحساء 150 مخطوطاً والمكتبة العلمية العامة ببريدة 4 مخطوطات والمكتبة العامة بجدة 217 مخطوطاً ومكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 500 مخطوط ومكتبة جامعة الملك سعود 3000 مخطوط والمكتبة العامة بشقراء تضم 120مخطوطاً والمكتبة العلمية الصالحية بعنيزة مخطوطاً واحداً، كما تضم المكتبة العامة بالمدينة المنورة 3800 مخطوطاً، ومن أشهر المكتبات بالمدينة التي تعنى بالمخطوطات مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمت التي تضم 17000 وتضم مكتبة الحرم المكي 3000 مخطوط ومكتبة مكة المكرمة 1300مخطوطاً، كما تضم مكتبة الصبان الخاصة 500 مخطوط، وأثنى الدكتور عبد العزيز المانع على جهود ومحاولة مؤسسة آل البيت بالأردن في جمع المخطوطات العربية في العالم العربي، وأشار الدكتور المانع إلى لزوم تحلي المحقق بثلاث صفات:
1 - الهواية ويجب أن يستشعر المحقق بمتعة التحقيق وإذا لم توجد هواية كمن يأكل طعاماً لا يريده ومتعة تحقيق المخطوطات مثل متعة لعبة كرة القدم والشطرنج
2 - الصبر والأناة وعلى المحقق أن يقف طويلاً عند النص، ولا بد له أن يقرأ المخطوطة على الأقل أربع أو خمس مرات قراءة مبدئية قبل أن يمس المخوطة ويشرع في تحقيقه, وسيتعود المحقق من قراءاته في المخطوطات على معرفة خطوط النساخ، علماً أن النساخ لهم خطوط مختلفة والعصور لها خطوط مختلفة
3 - الأمانة, على المحقق عندما يمس أي مخطوطة أن يكون أميناً في نقله والتعليق عليه والرجوع إلى القواميس في غوامضه، وضرب المانع مثلاً بنص مخطوط لم يستطيع أن يحله إلا بالرجوع إلى الإعراب (بالإمكان الرجوع إلى كتاب المآخذ على شراح ديوان أبي الطيب المتنبي) للمانع ص16 .. وأشار إلى أن المحققين بدأوا من الصفر ولا أحد يولد محققاً بل بالممارسة، ومن المعروف أن أشهر المحققين د. إحسان عباس كانت رسالته الماجستير بعيدة كل البعد عن مهنة تحقيق المخطوطات وهو ناقد لا علاقة له بالتحقيق، وأكد الدكتور عبد العزيز المانع إلى أن القراءة الأولى للمخطوطة تكون سهلة ولكن الصعوبة تأتي من القراءات المتكررة في ذات المخطوطة نفسها وسوف يكتشف المحقق مصائب - على حد قوله - ودائماً يرشد الدكتور المانع طلبته بالتحقيق في مخطوطات العصر الذهبي حتى يفيد ويستفيد ودائماً ما تكون مخطوطات العصور اللاحقة عالة على هذا العصر الذهبي في النقل منه، كما أرشدهم أيضا في حالة وجود عدة نسخ من المخطوطات ان يختاروا النسخة الأقل الصفحات حتى يوفروا الوقت على أنفسهم وهذا ما حدث في تحقيق شرح الواحدي على ديوان المتنبي إذ وجد المحقق أنه وقع في مأزق وتفاجأ بوجود أكثر من 100نسخة، وتتدرج أهمية المخطوطات من حيث كتابة مؤلفها الأصلي لها ومن ثمّ إملائه على الناسخ وقد تكون هناك نسختان للمؤلف نفسه (المسودة) و(المبيضة) وتترجح الأخيرة في كونها نسخة نهائية أقرها المؤلف، وتحدث المانع عن تجربته في تحقيق كتاب (المآخذ على شرّاح ديوان أبي الطيب المتنبي) وقال: العصمة والكمال لله وحده، فقد كانت هناك ملاحظات على هذا التحقيق ومن ثمّ جمعتها في ملف ونشرتها في دورية (عالم الكتب)، كما بيّن الدكتور المانع أن الكتب التراثية في مجال الأدب لم يحقق منها سوى 20% وأوجز الدكتور عبد العزيز المانع تعريف التحقيق في تحري الدقة والأمانة وكل نص مخطوط له شخصيته، وأشار إلى أن المستشرقين هم من فتحوا أعيننا على تحقيق النصوص وتجاوزت عدد الكتب التي تشرح فن تحقيق النصوص أكثر من ستين كتاباً لعل من أشهرها وأفضلها كتاب عبد السلام هارون.