Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/10/2009 G Issue 13538
الخميس 03 ذو القعدة 1430   العدد  13538
الحوار الأسري.. نواة مجتمع واعٍ
د. محمد الشويعر

 

حينما تطلق كلمة الحوار، ينصرف الذهن إلى النقاش أو الحديث فقط، ولكن هذا الفهم لا يعبر عن مفهوم الحوار الدقيق، إذ إن الحوار في معناه اللغوي يرجع إلى المحاورة والمجاوبة، والتحاور أي التجاوب وهم يتحاورون أي يتراجعون الكلام،

وحينما نطبق ذلك على واقعنا نجد أن الحوار عادة يكون بين شخصين أو أكثر، يتحاورون في موضوع محدد لإيضاح وجهة نظر كل منهم للآخر، ينتهون في الغالب لنتيجة معينة.

والحوارات متنوعة، فهناك الحوار الأسري، والحوار التعليمي، والحوار الفكري، والحوار الثقافي الإعلامي، والحوار الخارجي، ويعد الحوار الأسري من أهم تلك الحوارات بسبب أهميته في تأسيس شخصية الفرد على الحوار.

والمقصود بالحوار الأسري ما يتعلق بحديث الأب مع أبنائه، أو نقاش الأبناء مع آبائهم، أو حديث الزوج مع زوجته والعكس، فكل هذا يندرج تحت مفهوم الحوار الأسري، والذي نطمح أن يكون تحت مظلة الحوار الهادئ البناء الذي يعزز القيم ويقوي المبادئ وينشر سحابة المودة والرحمة.

ولا تخلو ثقافتنا الإسلامية من نماذج لمثل هذه الحوارات، فالقرآن الكريم مليء بالنماذج الحوارية الاجتماعية ومنها: حوار الأب مع ابنه في قوله تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) (هود: 42)، ونلاحظ ما تحمله الآية من شعور الأب الخائف على مصير ابنه، وكذلك الرأفة بابنه وذلك في لفظة (يا بني)، كما نرى أيضاً في المقابل حوار الابن مع والده في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) (مريم: 42)، كما أن القرآن لم يغفل عن العلاقة الوثيقة بين الزوج وزوجته في قوله تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) (النمل: 7)، وتطرق لحوار الإخوة مع بعضهم في قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (الأعراف: 142).

وكما أن السيرة النبوية أمدتنا بالحوارات الاجتماعية، مثل حوار الرسول مع زوجاته رضي الله عنهن، فيروى عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية. وإذا كنت علي غضبى). قالت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد. وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم). قالت: قلت: (أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)، وهذا يدل على أن البيت النبوي لا يخلو أيضاً من بعض المشكلات ولكن حكمة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وحواره الصريح مع زوجاته ساهم في تخفيف أثر هذه المشكلات وقيادة سفينة الأسرة إلى بر النجاة.

فالأسرة تُعد إحدى دعائم المجتمع في بنائه والمحافظة على مكتسباته، فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع في جميع شؤونه الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية.

والحوار موجود منذ أن خلق الله الكون، ولكن طرأت بعض المتغيرات السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية تسببت في غياب الحوار عنا، وأصبحنا لا نمارسه في حياتنا اليومية، ونحن اليوم بحاجة ماسة إلى ممارسة الحوار وتفعيله داخل منازلنا، حتى يصبح الحوار عادة من عادات المجتمع وسلوكاً من سلوكياته، إذ إن الحوار هو العلاج الناجح لكل المشكلات والعقبات، إذ إنه يجمع الآراء المتوافقة ويطرح المشكلات ويساهم في حلها بكل تجرد.

وقد ساهمت التقنية الإلكترونية في تباعد أفراد الأسرة عن بعضهما البعض، مع أن هذه الوسائل التقنية وجدت للاستفادة منها في التواصل، لكننا نجد الابن يستخدم الإنترنت طوال الوقت يتحدث مع زملائه في كل مكان ويتثاقل أن يجلس لدقائق مع أهله، والآخر يتابع إحدى القنوات الفضائية، والبعض أمام الألعاب الإلكترونية.. إلخ.. كما أن الأب مشغول في عمله صباحاً، وفي الفترة المسائية مع زملائه في المقاهي أو إحدى الاستراحات طوال الليل. وينطبق هذا أيضاً على البنات والأمهات، مما يسبب غياب الحوار الأسري داخل المنزل، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى بعض الانحرافات السلوكية والفكرية لدى بعض الأبناء أو الهروب من المنزل وعدم العودة إليه.

كما أن غياب الحوار داخل المنزل قد يسبب كثرة الطلاق بين الأزواج، مما يؤدي ذلك إلى تشتت الأبناء والبنات وضياعهم بين الأب والأم، وذلك نتيجة لغياب البيئة الصحية للحوار، فلا يمكن أن يقوم الحوار في بيئة منفصلة لا يجتمع أفرادها بشكل دائم.

ونظراً لحاجة المجتمع إلى تفعيل الحوار الأسري داخل الأسرة، وتشجيع الآباء والأمهات إلى احتضان أبنائهم وبناتهم والتحاور معهم، والإنصات الجيد لهم، وعدم رفع الصوت عليهم أثناء الحديث معهم، وأن يكونوا قدوة لأبنائهم في تطبيق المهارات الحوارية، وعدم الانشغال عنهم، وتحديد وقت محدد في كل يوم للاجتماع فيه والتحاور في ما يخص أمورهم وحاجاتهم وطلباتهم أو التخطيط لبعض الرحلات أو الزيارات، وتبادل الآراء بكل مودة واحترام، فهذا الشعور يعطي بأهمية الفرد داخل الأسرة، ويجعله يكسر حاجز التردد في عرض مشكلاته، فلن يجد مهتماً له مثل والده ووالدته، فغيابهما عنه وعدم التحاور معه يجعله يبحث عن أي شخص ممكن أن يستمع له ويتناقش معه وإن كان يحمل بعض الأفكار المسيئة.

أما الأبناء والبنات فدورهم أساسي في العملية الحوارية داخل الأسرة، فعليهم احترام والديهم، وعدم الرد عليهم بعنف كما أمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابة العزيز: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الإسراء: 23)، والحرص على الجلوس معهم بأدب ومفاتحتهم بكل همومهم وقضاياهم.

وإذا كان الأب أو الأم مشغولين دائماً، فلا بد من إيجاد الطريقة المناسبة للتحاور وعدم اليأس في تكرار المحاولات لفتح قناة الحوار معهما، والمحادثة تلو المحادثة حتى يشجع الابن أو الابنة الحوار مع والديهما، لأن الحوار الناجح الفعال يُسهم في بناء أسرة مستقرة ومتماسكة اجتماعياً.

وقد أثبتت العديد من الدراسات أن الدورات التدريبية عن الحوار الأسري تسهم في تفعيل الحوار داخل الأسرة سواء للآباء أو الأبناء، إذ إن هذه الدورات تساهم في كشف مواطن الخلل ومحاولة علاجها عن طريق مدربين متخصصين، ومركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ومن ضمن استراتيجياته لنشر ثقافة الحوار أعد مشروعاً اجتماعياً هادفاً هو (مشروع الحوار الأسري) الذي يستهدف الأسرة بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة، ويهدف المركز من هذا المشروع أن يسهم في نشر ثقافة الحوار وتفعيله دخل الأسرة ليصبح الحوار سلوكاً وعادة من عادات المجتمع.

وقد كانت التغذية الراجعة من اللقاءات السابقة للحوار الأسري نجاح المتدربين في اكتساب المهارات الأساسية للحوار وتغير بعض المفاهيم لدى المشاركين والمشاركات في تلك اللقاءات في تقبل الحوار داخل المنزل.

والمؤمل أن تسهم هذه اللقاءات والدورات في تحسين الحوار الأسري داخل الأسرة، دعماً من المركز لهذا الهدف النبيل، كما أن هذه الدورات ستنجح أكثر فيما لو لقيت ترحيباً وتعاوناً من جميع أفراد الأسرة، لتصبح الأسر واعية ومثقفة تتحاور بطريقة حضارية تنعكس إيجابياً على المجتمع، لينشأ لدينا جيل جديد مؤمن بثقافة الحوار.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد