أرى من كثير من الناس أموراً لا تعجبني، وتضايقني.. فانتقدها في نفسي وأعيبها، وربما أتمادى وأتحدث عنها بتهكم واضح مع أصحابي أو المحيطين بي.
فعيني وهي تتفحص أحوال الناس، تكشف لي عيوبهم.. وتبين لي زلاتهم.. وأذني وهي تسمع ما يقوله الناس، تكشف لي نقصهم..
وتؤكد لي سذاجتهم.. وعقلي وهو يتأمل فيما يحدثه الناس بحركتهم، يكشف لي جهلهم، ويثبت لي عمق ضلالهم.. هكذا يمر جل وقتي، أنتقد ما أراه وما أسمعه وما أتأمله في فعل غيري..
أعود إلى نفسي، وأتحدث معها.. وأراجع ما أحدثته أنا..
وأقارن بين ما انتقدته في سلوك غيري وما أفعله أنا..
فتصدمني الحقيقة بقوة مراراتها..
فعيني هذه التي رأت عيوب كل الناس، عميت ولم تر عيوبي، وهي لا تختلف عن عيوب الناس الذين انتقدتهم..
وأذني التي استهجنت كثيراً مما سمعته من الناس، لم تستهجن ما أقوله أنا، ولا يختلف عما يقوله الناس، حتى وأنا أسمع غيري كلاماً لا معنى له..
وعقلي هذا الواعي النبيه- كما كنت أظن- الذي يحلل ويتأمل أحوال الناس، غابت نباهته فأخفق، وتجاهل أن يحلل ويتأمل أحوالي التي لا تختلف عن أحوال الناس، وما يحدثونه..
فتفرض الحقيقة نفسها على الرغم من مجاهدتي لها..
أننا كلنا نرتكب الأخطاء التي ننتقدها ونعيبها، لكننا نختلف في زمن ارتكابها وظروفه، وفي مقدار ما نحصل عليه من ستر فيها..
أزعم أن كل الناس يكذبون، مع تفاوت في حجم ومجالات ما يكذبون فيه، لكن لا ينتقد إلا من كشف ستره وبان كذبه. وأن كل الناس يخادعون وينافقون بتفاوت بينهم، ويقفزون حسب ظروفهم ومصالحهم على قيمهم ومبادئهم، لكن الذين يعابون وينتقدون هم الذين تخلى سترهم عنهم وبان للناس ما يفعلون.
الذي يحدد موقعك بين ناقد ومنقود، حجم ما أنعم الله عليك من ستره لك، وإلا فكلنا نرتكب الأخطاء ننتقدها.. والله المستعان.