منذ أن بدأ الفن السابع (السينما) بثه في العام 1839م، والشاشتان الكبيرة والصغيرة ترسلان سيلاً ثقافياً هادراً، ساهم في تقارب الشعوب العالمية، لا أحد ينكر مثلاً أن السينما الأمريكية ساهمت وعلى مدى سنوات في نشر الثقافة الأمريكية في العالم وكانت من أهم الأسباب لهيمنة هذه الثقافة بدأ من الهامبرجر وانتهاءً بالجينزالممزق!.
من هذا المنطلق كانت السينما ذلك الفن الجميل، ورافداً للعلم والثقافة حتى كشرت الحروب عن أنيابها ورأى السياسيون المتهورون أنهم يجب أن يكونوا بدلاء للمثقفين والروائيين في صياغة الفن السابع، فكانت سينما الحرب التي تحولت بمرور الوقت إلى صناعة ليست لصناعة الفن كما في السابق، بل لصناعة الحقد والكراهية بين الشعوب، ويمكن القول إن السينما اليوم عرفت وضعاً لم تعرفه من قبل نتيجة الحروب الطويلة التي أثارها الإنسان، فقلما تشاهد فيلماً يناقش واقعاً اجتماعياً أو سياسياً إلا وتجد لغة الحرب ظاهرة فيه، فنحن لا نشاهد فيلماً حربياً 100% إلا ويكون معه موضوع درامي أو كوميدي أو رومانسي أو إثارة أو ملاحم تاريخية. وبنظرة إلى تاريخ السينما يعد الفيلم العنصري (مولد أمة) من أهم الأفلام التي ظهرت في بدايات القرن العشرين وتحديداً عام 1915، وكان يدور حول الحرب الأهلية الأمريكية وحرب تحرير العبيد، كما ظهر في تلك الفترة فيلم يعتبره بعض النقاد أفضل فيلم مناهض للحرب وهو (كل شيء هادئ على الجبهة الغربية) عام 1930.
وبعد ذلك ظهرت إحدى الروائع السينمائية الخالدة (ذهب مع الريح) عام 1939 الذي يؤرخ كذلك حرب تحرير العبيد في أمريكا من خلال صبية أمريكية جنوبية تواجه الخوف والفقر رغم أن الفيلم درامي ورومانسي بشكل أكبر عام 1939 وعند بداية الحرب العالمية الثانية، أخرج بعض المخرجين البريطانيين أفلاماً تحمل رسائل إلى أمريكا تدعوها للمساعدة في هذه الحرب من الطغيان الألماني والإيطالي، ثم توالت الأفلام الأمريكية التي تتخذ من الحروب مادة لها لعل أشهرها سلسة أفلام روكي (رامبو) للممثل الشهير سلفستر ستالوني، وغيرها من الأفلام التي صورت الحرب الفيتنامية وحرب أفغانستان والعراق ولا ندري أين ستتجه عدسات السينما في القادم من الأيام؟.
وحكاية الغرام الطويلة بين الحرب والسينما ألقت بظلالها على العالم كله، وبدأت لغة السياسة تطغى على اللغة السينمائية، فانتقلت العدوى إلى دول العالم الثالث، فهاهي السينما اللبنانية يسميها البعض سينما الحرب لأنها ولدت من رحم الحروب والدم، والسينما الأفغانية تنمو مجدداً في تربة حمراء على أنقاض الدمار الذي خلفته الحروب الطاحنة، وفي العراق يتنفس العراقيون هواء مشبعاً بالغازات الحربية وهو يرممون البيت السينمائي من أجل حياة لا تكدرها المصالح أو لنقل المطامع السياسية والتي اتخذت بعداً آخر معتمدة على السينما، فقبل أيام شهدت العلاقات بين تركيا وإسرائيل أزمةً رغم التحالف الإستراتيجي القائم بينهما في المنطقة، بسبب مسلسل تلفزيوني تركي تبثه (تي ار تي-1) الشبكة الأولى في التلفزيون العام التركي يظهر الجيش الإسرائيلي يرتكب مجازر بحق أطفال فلسطينيين. ولعل الكثيرين يتذكرون تلك الأزمة التي نشبت بين مصر وإيران إثر عرض إيران فيلم بعنوان (إعدام فرعون)، وردت مصر التي عرفت السينما مبكراً على هذه الوقاحة الإيرانية بفيلم (الخميني إمام الدم).
إن السينما لا تقدم لجمهورها أفلاماً للتسلية أو لتمضية الوقت فقط ولكنها تقدم فناً وعلماً ومعرفة تتيح لجمهور المشاهدين أن يتعرفوا إلى ما يدور في هذا العالم رغم أن هناك وجهين للحقيقة، ولكن الجمهور الواعي يستطيع أن يميز الحقيقة عن الكذب ويبحث عما يريده من الحقيقة، فالسينما تقدم لك وجهة نظر وأنت الحكم أولاً وأخيراً، فهل الخسارة التي تخلفها الحروب في النفوس البشرية ضرورية لندرك قيمة الحياة والإنسان؟ وهل الحقد يؤدي بنا إلى فهم حاجتنا إلى الحب وحاجة الحب إلينا؟.
إن كل مواطن بسيط على خد الأرض يناشد ساسة الحروب والدمار بأن يتركوا لنا فناً جميلاً لا يتلون بلون الدماء، فهل هذا كثير؟.
Mk4004@hotmail.com