في الوقت الذي كثرت فيه المطالبة بفصل وزارة الإعلام عن الثقافة، أو على الأقل تغيير مسمى الوزارة إلى وزارة إعلام فقط دون الزج بلفظة الثقافة ربما لرؤية أولئك المطالبين بعدم اضطلاع الوزارة بدورها المأمول ثقافياً وتركيزها على الجانب الإعلامي فقط..
وإن كنت لا أدّعي معرفتي بمبررات ذلك إلا أنني أؤكد أن المطالبة تلك لا يُفترض لها أن تكون في بداية عهد جديد للمنظومة محل الانتقاد، بمعنى أنه إن كان هناك ثمة نقد على أداء مؤسسة ما في وقت ما، فهذا لا يعني ضرورة استمرار هذا النقد في وقت مختلف.. وهذا ليس تأكيداً مني أو نفياً لمسؤولية من اعتلى هرم القرار سابقاً في تلك المؤسسة، إنما إقرار منطقي بوجوب إعطاء المسؤول الجديد وقته ليعمل، فلا يمكن أن يأتي مسؤول جديد لمؤسسة كبرى كوزارة الثقافة والإعلام ومعه عصا سحرية يستطيع تغيير خارطتها في طرفة عين.
لم أعهد قلمي يمتدح أحداً إطلاقاً لا لغاية معينة، بل لأنني لم أعتد شكر أو مدح أو حتى وصف ما يقوم به المسؤول من واجبات موكلة إليه على أنها إهداءات أو مكرمات من لدنه، بل هي من صميم العمل المناط به والموكل إليه.. لكنني وجدت نفسي مشدوداً لتسجيل بعضٍ من صفات رجل أُنيطت به إحدى أصعب المهام في هذه البلاد وفي هذا الوقت بالذات، إنه معالي الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام بالمملكة.. ذلك الرجل الذي يجبرك تواضعه الجم على الحديث عنه في كل مكان وزمان، إنه مستمع جيد، مرهف الحس، يجيد فن الاستماع ويتقن قراءة الوجوه ويحسن الجواب بما يملكه من مخزون لغوي غير عادي وكم هائل من المفردات اللغوية التي يعرف كيف يصيغها ويضعها في مواقعها الصحيحة، وقدرته على توظيف الأمثلة التي يختزنها من خلال خبراته المتعددة في مواقعها الصحيحة، مما يجعلك تستمع إليه مندهشاً ترغب في أن لا يتوقف عن الحديث وعن طرح المزيد من الرؤى والتوجهات والآراء التي يعتنقها.
لم أمدح في حياتي شخصاً مسؤولاً خشية اتهامي بالتزلُّف أو التملُّق وباعتبار أن مدح الرجال مذمومٌ، لكنني أتشرف بالكتابة عن تواضع هذا الرجل الكريم الذي يفتح صفحته في الشبكة العنكبوتية لكل من أراد الدخول للحديث معه بحيث تدلف صفحته دونما توقُّع بأن يرفض قبولك أو يؤخر دخولك، لقد دخلت صفحته تلك ووجدته يستقبل بها شخصيات متعددة ومن أطياف مختلفة لتبادل وتجاذب أطراف الحديث عن كل شيء ولكل شيء وبكل شيء.
هالني ذلك الحدث لعدد من الأسباب يأتي على رأسها ربما توجسي من معاتبة معاليه على جرأتي في الكتابة أو حتى من موضوعات أتوقع أني سأطرحها عليه، وثانياً لأن رجلاً بمنزلة عبد العزيز خوجة الوزير المخضرم يجب أن يكون لديك موعد سابق معه أو على أقل تقدير ترتيب موعد الحوار معه مثلاً وكثير من أسباب أخرى، لكن المفاجأة كانت أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل تمَّ قبوله لطلبي الحوار معه كما مع جميع من أراد ذلك الحوار أو غيره، وكان أن وضع رسالة يقرؤها القاصي والداني بأنه لا يتوجب شكره أو الثناء عليه لقبوله استضافة أي شخص يرغب الحديث معه أو حواره بشكل يوحي إليك أنه ينادي بأعلى صوته على كل من كان يسير بجانب صفحته لدعوته للدخول إليها.
رجل لا تمل سماع منظومته الأيدولوجية من آراء وتوجهات، رجل يقوم بتوظيف خبرته الطويلة فيما كُلف به من عمل، رجل يحمل رؤية من أجمل ما سمعت وشهدت، رؤية فيها من التجرد والبُعد عن النرجسية الشيء الكثير، إنه يؤمن بالتأسيس والزرع ولا ينتظر حصاداً يُسجل باسمه.. يؤمن برؤية مفادها أن على المسؤول أن يؤسس ويزرع ولا ينتظر حصاداً فلربما أتى الحصاد في عهد مسؤول يأتي بعده.. أوليس ذلك قمة في التجرد من الذات وأنانيتها ونرجسيتها؟ أوليس في ذلك حس المسؤولية الوطنية؟ أوليس في ذلك إثبات على أن من اختار عبد العزيز خوجة لهذا المنصب لم يُخطئ؟
وما كان مقاله الأخير المنشور في جريدة إيلاف الإلكترونية ونشرته (الجزيرة) الجمعة الماضية إلا تأكيداً على ما ذهبت إليه.. ذلك المقال كان دليلاً آخر على نية هذا الوزير في التواصل الإيجابي مع من ينتقده بل وإمعاناً في رغبته بالنقد البنَّاء وليس في كيل المديح له وهو من يدرك قبل غيره أن الفترة التي تولى فيها زمام هذه المسؤولية ليست كافية لإثبات نجاح ما ومن ثم مدحه عليه.
إنه أقرب إلى الأديب والفنان منه إلى المسؤول المنضبط بضوابط المسؤولية، وهو الحال الغالب على فكره، إنه صاحب فكر كبير، أقرب إلى الفن الراقي والتأملات الفلسفية والمجادلات القوية.
المسؤولية في قيادة مؤسسة حكومية كبيرة كوزارة الثقافة والإعلام وما تحمله من رسائل ومضامين من أجلها قام بوضع خطط وتوصيات لتشريعات تصب في صالح ثقافة المواطن وتقف إلى جانبه للوصول به إلى الحياة الكريمة المنشودة عبر الرسائل الإعلامية الإيجابية، إنما مسؤولية ليست بالسهلة وحسبي أن زمام أمورها بيد رجل بحجم عبد العزيز خوجة، فهل لكم أن تدعوا ذلك الرجل يعمل وانتظروا النتائج.. إلى لقاء قادم إن كتب الله.
dr.aobaid@gmail.com