الذي يصنع التاريخ عادة هم أفراد، وفي الشعوب والمجتمعات تُحرّك وتوجّه النخبة دائماً الأغلبية، وفي دراسات علم النفس الحديثة أثبتت أن نسبة 2% من المجموعة هي التي تمتلك عادة المواهب الخارقة القادرة على تحديد مصير هذه المجموعة.
هذه الطفرات المبدعة التي تظهر لدى الندرة هي بالتحديد (الراديوم) المشع في قلب المفاعل، وهو الذي يمد الهيكل كاملاً بالطاقة والحيوية.
استلمت الأسبوع الماضي صندوقاً جميلاً ومبدعاً من المخترع الشاب مهند أبو دية، ولأن المخترع مهند لا بد أن يحل ضيفاً على زاويتي كل عام، فقد فاجأني هذا العام بهذا الصندوق الذي اسمه: (كيف تكون مخترعاً؟).
العنوان كبير وثقيل ولا سيما في محيط قد استغرقته هشاشة الثقافة الاستهلاكية، إلى درجة كبيرة، ولو اختار شاب مثلاً أن يعلم محيطه الشبابي بأنه مخترع أو أنه في طريقه إلى المختبر ليمنح مجتمعه اختراعاً يجعل هذا العالم أفضل، لارتفعت الحواجب وهدرت الحناجر بالسخرية، التي تقصيه غريباً في مختبره كأنه مشعوذ.
ولكن الإرادة العملاقة بين أعطاف مهند وفريقه صنعت هذا الصندوق الجميل الذي يحوي كتيباً يقدم عبر خطوات واضحة ومتسلسلة الكشاف الذي من الممكن أن يضيء درب يافع يُكابد بدايات عالم الإبداع ويُعاني من التشتت وعدم القدرة على استثمار جهوده وطاقاته في مساراتها المطلوبة.. الكتيب مبني على تحفيز الأسئلة مثل ما الاختراع.. ماذا سأستفيد لو كنت مخترعاً؟ مصادر المعلومات في محيطي.. البحث عن المشكلات ومصارعة الحلول.. مهارات التفكير.. التصميم وتسلسل النماذج، التسويق، وسواه من المعلومات التي تمنح إطلالة واسعة على عالم الاختراعات، وينهي مهند الكتيب بعدد من أسماء المراجع والكتب المفيدة والمواقع الإلكترونية المناسبة في هذا المجال.
فإذا عرفنا بأنه هو الفتى نفسه الذي فاز بميدالية معرض الابتكار السعودي الأول عندها حتماً سنعلم المنطلقات التي ينطلق منها ويعبر عنها.
الصندوق لا يحوي فقط هذا الكتيب، بل أيضاً فيديو تدريبياً حول الموضوع وكتيب تمارين اختراعية من الممكن أن تنظم وتحفز الطاقات المبدعة داخل الموهوبين.
مهند صاحب البصيرة يظل متوهجاً متّقداً قادراً على بعث الدهشة دوماً.