الذين عرفوا الطائف وهم في سن الطفولة سوف يصابون بفجيعة التغير الذين اعتراها، فقد كانت مدينة جاذبة ومغرية بكل معاني الإغراء، وكان الناس يومها ينتظرون الصيف للزحف إلى الطائف، وهي التي تعطي كل ذي حق حقه من الراحة والتمتع بصيف جميل وهادئ بها.
الطائف أصبحت مدينة طاردة للسياح من الطبقة المتوسطة، وأصبحت تبحث عن الأثرياء الذين يستطيعون الإنفاق بشكل جنوني دون السؤال عن الكيفية والشكل والطريقة.
فقد كان البسطاء ومحدودو الدخل يجدون من الطائف أماً حانية تستقبلهم في أوديتها وتحت أشجارها الباسقة التي تعطي الظل دون مقابل، ولكنهم اليوم لن يستطيعوا أن يتمتعوا بتلك الأشجار الباسقة، إذ حيل بينهم وبينها بشكل يمنعهم من المتعة تحت الظل، فحواجز التراب التي تسد مداخل الأودية أصبحت تقف في وجه كل داخل وعلى كل مدخل لأي واد يمكن أن يلجأ إليه من لا يريد إلا الهدوء والظل هناك.
وحركة السائح بالطائف أصبحت محسوبة بالريال والعشرة ريالات، أي أنك لن تجد ظلاً أو مكاناً ترتاح فيه ما لم تدفع مائة ريال مقابل الدخول إلى منتزه أو مكان عام تملكه شركة أو أفراد يعملون لحسابهم تحت مسمى تطوير السياحة!!
ولك أن تتخيل أن دخول أسرة مكونة من عشرة أشخاص إلى منتزه مثل الحديقة الشهيرة بالطائف يكلف مائة ريال، ولك أن تتخيل أن مدة الصيفية لك ولأسرتك شهراً كاملاً، ولا مجال لأن تذهب إلى لتلك الحديقة، فكم سيكون مصروف محدود الدخل المخصص لدخولها لمدة عشرين يوماً؟!!
أما المتنفس الوحيد للأسر التي تريد الانطلاق فكان منتزه سيسد، لكنه هذا العام لم يعد كما كان سابقاً، فقد قلعت الاشجار وأزيلت ألعاب الأطفال، وأصبح محصوراً في رقعة صغيرة يتزاحم فيها المصطافون.
الطائف التي كانت ترحب بزوارها لم تعد ذات الوجه البشوش المغري بالعودة لها، فقد أصبحت غالية الأسعار والأمتار، وأصبحت عمل شركات تبحث عن الربحية بعيدة عن هدف السياحة الوطنية والتي تسعى هيئة السياحة لتعميم هدف سام، وهو بقاء السائح في وطنه.
الشوارع الداخلية في الطائف أصبحت تحمل هم عدم النظافة، وهو أمر ملاحظ ومشهود عبر الأوراق والبلاستيك المنتشر في الشوارع الداخلية، والذي تلعب به الريح، بينما عمال النظافة يعملون في غسيل سيارات السائحين!!
ومن أراد أن يشاهد عدم النظافة فليزر منتزه الجال وليدخل للشوارع الفرعية في القمرية وغيرها من الأحياء التي تنتشر بها الشقق المفروشة، وسوف يرى الإهمال الواضح من عمال النظافة في أداء عملهم الذي اشتغلتهم عنه سيارات السياح بغسيلها بماء لا أدري من أين يحصلون عليه.
يبدو لي أن إنفاق ثلث ما ينفقه السائح في الطائف، سيكفيه في بلد آخر أكثر توفيراً ولكنه أكثر راحة وأكثر اهتماماً بالسائح.. فهل تعود الطائف لوجهها البشوش أم تبقى كما هي الآن مدينة طاردة لزوارها؟!!
abo_hamra@hotmail.com