لم يودع الكاتب والروائي الأمريكي الشهير (ارنست همنجواي) الحياة إلا بعد أن دق أجراسها بقوة مئات المرات، وبعد أن عاشها نهما للمغامرة والكتابة.
في مطلع الخمسينيات كان اسم (همنجواي) (1899- 1961) يشبه نجوم السينما الأمريكية لحياته الصاخبة فهو المحارب المشارك في الحرب العالمية الأولي والثانية والصياد في أعالي البحار وأعماق إفريقيا، ولاعب الملاكمة الشهير ومصارع الثيران، وصاحب المغامرات النسائية، والشجاع الذي لا يمل من التجارب الصعبة واللحظات المرعبة، والكاتب الموهوب الذي كتب روائع مثل (وداعا للسلاح)، (لمن تقرع الأجراس)، و(الشيخ والبحر) و(موت في الظهيرة) وغيرها وصاحب جائزة نوبل في الآداب عام 1954م.
كانت حياة (همنجواي) الخاصة لا تقل إثارة عن حياته وأعماله، ولا تقل إن لم تكن تزيد على حكاياته الدرامية، فهو المتمرد في صباه، والجريح في إيطاليا أيام الحرب العالمية الأولي، والنهم في الحب والعشق، والمهاجر إلى فرنسا وسويسرا، وصياد الأسود في إفريقيا، ومصارع الثيران في إسبانيا، وصياد الحيتان في بحر كوبا، كان النهم للحياة على الرغم من قصرها إلا أنها كانت لرجل عن ألف سنة!
ورغم كل تلك الإثارة والمغامرات المجنونة في حياته إلا أنه كان يواظب على الكتابة حيث يقول في رسالة لا حد أصدقائه: (طوال حياتي انظر إلى الكلمات كما لو أني أراها لأول مرة، وعندما ابدأ في الكتابة اظنني قد دخلت عالم السحر فمن داخل الكلمات تتفجر الحيوات من بين أصابعي).
لقد بدأ (همنجواي) حياته الأدبية ضمن جيل اعتبر مفقودا حينها وصادفه اليأس خلال اغترابه الأول في باريس في بداية القرن العشرين، لكنه استطاع بعزيمته القوية ومرانه المستمر أن يحول نفسه من صحافي ومراسل خارجي للصحف إلى أديب كبير ذي أسلوب متميز.
ورغم ثقته بنفسه ومغامراته وزواجه الكثير إلا أنه كان أكثر كتاب عصره مثابرة. ويشرح في إحدى رسائله ذلك بوضوح: (ولمعلوماتك، فإنني قد بدأت بمحاولة التغلب على كتاب ماتوا، واعلم كما كانوا عظاما. لقد حاولت أولا مع ترجنيف، ولم يكن هذا صعبا. وحاولت مع موباسان، ولم اسلم له. وقد تغلبت عليه بعد أربع قصص قصيرة، ولقد هزمته. ثم حاولت مع آخر، لن أصرح باسمه، وقد تعادلنا. وأما هنري جيمس فإنني سأزيحه عن طريقي بإبهامي، وسأطلب من الحكم أن يوقف المباراة)!
ورغم أن حياة هذا الأديب ازدحمت بمغامرات وتجارب غير مألوفة لم تتوقف حتى الأيام الأخيرة من حياته، إلا أن نهمه للحياة كان يزداد وشهيته لها لا تتوقف لحظة.
وكان على الرغم من مغامرته في إفريقيا وكوبا وأوروبا وغيرها كاتب أجمل الروايات والأشعار الكثيرة التي لم تنشر. فقد استطاع برواياته الجميلة مثل (موت في الظهيرة) و(وداعا للسلاح) و(العجوز والبحر) وغيرها أن ينال جائزة نوبل في الآداب باستحقاق.
بل وتم تحويل الكثير من رواياته الجميلة إلى أفلام رائعة حققت نجاحات كثيرة.
في روايته الشهيرة (وداعا للسلاح) يقول انه كتب نهايتها 39 مرة حتى يرتاح ضميره وقلمه من انه كتبها أو ختمها جيدا. ويضيف: وعندما شعرت أنني استهلكت سبعة أقلام رصاص كدت أيأس من أجد خاتمة جيدة للرواية ولكنني واصلت.
لم يعرف (هنمجواي) اليأس في الكتابة طوال عمره. فقد كان يقول لأصدقائه: إن مهمة الكاتب لا تتغير وهو أن يكون مخلصا لعمله ولنفسه ولقرائه. وان يحسن اختيار موضوعاته وأفكاره.
كان ناشره في أمريكا يقول عنه: انه رجل بطل، لأنه بلا أطماع! وانتهت حياة أحد أعظم كتاب الدنيا وقد صار أهم أبطال العالم بلا منازع على الرغم من انتحاره المروع!
albassamk@hotmail.com