في ظني (وبعض الظن إثم).. اننا بحاجة إلى تكريس مزيد من البرامج الإعلامية الفضائية التي تبصر الناس إلى أن يفرقوا بين الضرورة والترف في حياتهم!
أليس كذلك؟
بلى!
وفي ظني أننا بحاجة إلى أن نعلم الناس أنه ليس هناك قدر (للثقافة) ولا (مكانة)، إلا أنها (طريقة الحياة!) كما يقول تيري إيقلتن في كتابه (فكرة الثقافة). إذا أدرك الناس ذلك عرفوا حاجتهم إلى البرامج الثقافية على طريقة تلتقي بالذوق وترتقي به.
كنت مرة مع أحد مصوري البرامج وهو رجل قادم من بلاد السويد، فسألته عن المظاهر الثقافية التي أعجبته هناك، فذكر لي شغف الشعب (السويدي) بالقراءة وتلهفه لها، لهفة الحقول إلى المطر.. الناس تقرأ في محطات الانتظار، وفي صالات المطاعم قائمين قاعدين.. رائحين غادين..
ولذلك كثرت لديهم في (بعض) قنواتهم البرامج التي تحاكي ذلك الهم الشعبي.. وتلبي شغفه..
قلتُ: أولئك قوم أدركوا أن حاجتهم إلى الثقافة وبرامجها كحاجة سياراتهم إلى الوقود، و(خزانات) منازلهم إلى المياه.. إذا فرغ أي مما سبق.. لم يبقَ في الحياة رمق..
المشكلة لدينا.. هي أن فعلاً ثقافياً (كالقراءة) مثلاً أصبح خطيئة يستحق فاعلها (الرجم) بالكلمات..
رب ذاتٍ تقول: الجمهور سلطة إياك أن تعصي أمرها.. أو تشق عصا طاعتها!
فالقول حينها: إن الجمهور يحبني ك(إعلام)، وحبك للشيء يعمي ويصم! فليمنحني الجمهور فرصة لأفتح له عينيه، وأنظف له أذنيه.. يتحملني قليلاً ببرامج تأخذه من شفير الهاوية، إلى دائرة الوعي.. غالبية عظمى من (سلطة الجمهور) لا تعلم من البرامج الثقافية إلا أنها (برامج تحتاج حبة بندول إكسترا) تخفف وجع الرأس.. فهي ذات موضوعات (نخبوية) عالية.. لا تُفهم.. لا تُسمِن... لا تُغِني... لا تضر..لا تنفع... وهلم (وجعاً).. والقلة منهم (يمد يديه إلى السماء: يا رب..يا رب..) عله يحفل (بكبسولة) ثقافية في برنامج ثقافي.. يذهب عنه (حمى التخلف).
(الثقافة) في زمن الفضاء..عالقة بين تصورين، أحدهما واسع فضفاض إلى درجة العجز في الإحاطة به، فكل شيء حولك إنما هو كائن ثقافي.. وثانيهما صارم جاف صلب إلى درجة الإزعاج في التصور، والنجاح يبدأ من شفرة (التناول) لموضوعات حياة (سلطة الجمهور) من نظرة (عين) الثقافة لها.. وبذا ندرك الفرق بين التناول السطحي.. والتناول الثقافي العميق لموضوع (البطالة) مثلا.. وما خفي يكفي!
جزء من مطالبات (الجمهور) للإعلام هو أن يرتقي به.. لا أن يرتقي عنه فيودِّعُه.. ولا يستخف به فيوجِعُه!
فمتى؟
محمد بن سعد الدكان
Msds555@gmail.com