يكاد يكون الانطباع الأول الذي يكّونه الشخص عن آخر قابله في مكان ما، راسخاً في النفس، وله تأثير شديد الحساسية! وأصعب ما نقسو به على الآخرين تكوين انطباع سريع وسيئ عنهم، ربما لأنهم لم يكونوا بكامل جاهزيتهم أثناء اللقاء بسبب الشكل العام أو الملامح أو التصرف العابر!
ومن الصعوبة حقا تبديد الانطباع الأول أو التخلص منه! ولا يعني ذلك استحالته بيد أنه قد يصبح محكاً ومؤشراً على أي سوءٍ في التصرف مستقبلا من لدن الطرف الآخر.
يقول الدكتور(روبرت لاونت) من جامعة أوهايو في دراسة أعدها بهذا الخصوص: (إن الانطباع الأول الذي نكونه عن شخصٍ ما له أهميته الكبرى عند التفكير في إقامة علاقة دائمةٍ مع الآخرين، وإذا خطوت الخطوة الأولى بطريقة خاطئة فإن العلاقة المستقبلية بينك وبين الآخرين لن تكون مريحة تماماً) وهنا يعني أنه من الصعوبة إعادة الثقة بالآخر بعد تزعزعها إلا إذا كانت تحكمك بهم صداقة طويلة وقوية ومتينة.
وهذا قد ينافي ما تعارفت عليه بعض الشعوب من خلال أمثالها الشعبية (ما من محبة إلا بعد عداوة) حيث يقصد به الانطباع الأول، أو يدل على أن الصداقة المتينة تبدأ أحياناً بتصرف أحمق أو سلوك متهور! بينما ديننا الإسلامي يشجع ويحفز على السلوك الأفضل حيث يقول الله عز وجل {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وحصول الحميمية من خلال الدفع بالتي هي أحسن والمقصود الفعل الحسن أو التصرف الجميل أو العفو والتسامح وكل ما يؤدي إلى العلاقة الطيبة.
وقد نفشل في جعل الناس يكوِّنون عنا انطباعاً حسناً ورائعاً في أول لقاء، لكننا أبداً لن نفشل حين نغير من تصرفاتنا وأفعالنا وتعاملنا معهم، وهو ما يمكن أن يمحو ذلك الانطباع الذي قد نظنه راسخاً لكن ما يلبث أن يتلاشى ليحل محله الرضا والقبول، بل والابتهاج والانشراح عندما تقابل أولئك الأشخاص مرة أخرى، وقد يتفاءلون بحضورك ويلجؤون لوجاهتك ومشاورتك حتى في أمورهم الخاصة! وقد يتطور الأمر إلى تقريع لذواتهم وشعورهم بالذنب والخجل من تكوين ذلك الانطباع السيئ.
وهنا يحسن بنا تحاشي اتخاذ أي انطباع، سواء كان حسناً أو سيئاً، ولندع الشخص يأخذ فرصته كاملة لإظهار سلوكه، فالزمن كفيل برفع الغطاء عن وجوه كنت تحسبها من الحملان، وما تلبث أن تصبح كالثعالب! وبالمقابل هناك وجوه ملامحها تنبئ عن أشكال من الغموض والكسوف وماتلبث أن تسفر عن شموس تشرق في حياتك ويمتد إشراقها وضوؤها لتملأ المكان سطوعاً وإشراقاً.
ويجمل بنا التزام الموضوعية في تعاملنا ولقاءاتنا مع الآخرين. والمأثور حكمة (تكلم لأعرفك) وقبل أن يتكلم المرء أو يبدو منه أي تصرف فإنه من الجور إطلاق الأحكام!
ولو اختلفنا فإننا لابد أن نتفق بأن الابتسامة هي جواز العبور إلى قلوب الآخرين، وهي بلا شك المفتاح السحري لأبواب أفئدتهم!!
*** فاصلة
سوف يطل عمود المنشود على قرائه يوم الأحد ويحتجب يومي الثلاثاء والخميس لفترة محدودة لأخذ قسط من الراحة.
rogaia143@hotmail.Com
ص.ب 260564 الرياض 11342