Al Jazirah NewsPaper Sunday  26/07/2009 G Issue 13450
الأحد 04 شعبان 1430   العدد  13450
اما بعد
رموز منسية وأخرى ملء السمع والبصر!
د. عبدالله المعيلي

 

تابع الملايين من محبي الفن والطرب في كل بقاع الكرة الأرضية بمزيد من الأسى والحزن والألم وفاة ما سُمّي بملك البوب (مايكل جاكسون)؛ حيث اعتُبرت وفاته خسارة عظمى ليس على أسرته فحسب بل على البشرية؛ لأنه في نظر هؤلاء يُعدّ ثروة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من دلالات سامية، ومعان قيمة كريمة؛ لهذا خيّم الوجوم والاكتئاب على محبيه، بل تعدى الأمر إلى أبعد من ذلك؛ حيث أقدمت إحدى الفتيات في دولة عربية على الانتحار لهول الصدمة والفاجعة، وعدم القدرة على تحمل فراق الملك.

لم يقتصر الأمر على عامة الناس، بل شاركت بعض وسائل الإعلام على اختلاف مجالاتها في التعبير عن الصدمة، بل إن بعضها ساهم في تضخيم صورة (الفنان الراحل)! في أذهان الشباب، وتعزيز قيمته في وجداناتهم، ولهذا تجسدت له شخصية مرموقة في عقول الشباب فاقت كل الصور ذات القيمة والاعتبار الحق، ومن هنا أُصيب العقلاء بالحيرة والاستغراب والذهول، أُصيبوا بالحيرة؛ لماذا تعمد بعض وسائل الإعلام إلى الانجراف والمبالغة في التعامل مع مفاهيم ورموز ليست بذات قيمة أو بال؟ تهوّلها وتضخمها وتعطيها قيمة وهالة ضاربة عرض الحائط بأبسط المعايير القيمية والأخلاقية، ويستغربون من التجاهل المتعمد للجهود الخيّرة، والرموز التي تخدم الإنسانية فحازت بذلك السمعة العالية، والقيمة والتقدير، تلك القامات التي تعد ملء السمع والبصر قدراً ووزناً؟ حيث يمر ذكرها مرور الكرام، مرور المستجل، وتمر ذكراها دون إحياء أو إشادة أو حتى تنويه، ويذهلون من تعمد تكبير الأقزام الصغار، وفرض وجودهم بتسليط الأضواء عليهم، والإشادات بأدوارهم التي لا يقبلها عقل ولا يبررها منطق.

يبدو أن المعايير القيمية والأخلاقية والمهنية قد أُصيبت بخلل واضطراب عند البعض؛ ما أفقدهم التوازن والصواب، والاهتداء ببوصلة المنطق والعقل في التعامل مع المعطيات، وتثمين المواقف والأعمال والرجال، وهذا يدل على أن مراكز الإدراك قد أُصيبت باضطراب وخلل؛ ما أفقدها القدرة على معرفة أي المواد والأحداث التي يمكن تغطيتها وبأي مستوى، والاحتفاء بها وإيلاؤها ما تستحق وفق معايير مهنية بنّاءة معتبرة، تليق بموضوع التغطية، وتحترم عقل المشاهد ووجدانه.

كان الله في عون الناشئة من الشباب وأعانهم؛ فهم ضحايا مخدوعون، مشوشون فكرياً، مشدوهون نفسياً، اختلطت المفاهيم في أذهانهم، وتشوهت المعاني في وجداناتهم، بسبب الإيحاءات غير الموفقة التي صنعت من الدمى أبطالاً، ورسمت لهذه الدمى صوراً بهية، وجعلتها في مكانة علية، بهرت ألباب الأغرار فاشرأبت أعناقهم لهذه الدمى تطلعاً وإعجاباً، محاكاة وتقليداً، وفي الوقت نفسه يتم التغاضي المتعمد، والتجاهل غير المبرر عن رجال صنعوا بجهودهم أمجاداً، وساهموا بفكرهم في سعادة البشرية وهدايتها إلى سبل الحق والهدى في كل مجالات الحياة وشؤونها، الدينية والتعليمية والصحية والتقنية وغيرها.

ومن هنا تبدأ عمليات اختلال الموازين، وتتشوه السلوكات وتنحرف عن مسارها السوي خاصة عند الشباب الذين هم في مرحلة تكوين المفاهيم؛ لهذا لا عجب عندما تنحرف أنظار الشباب وتتجه نحو الدمى المصنوعة، يقلدونهم في حركاتهم، وفي مظاهرهم الخارجة الشاذة عن قيم المجتمع ومسلّماته.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد