Al Jazirah NewsPaper Thursday  16/07/2009 G Issue 13440
الخميس 23 رجب 1430   العدد  13440
الكادر الصحي ليس للأطباء وحدهم...
د. عثمان عبدالعزيز الربيعة

 

لست أمل النظر إلى الخدمات الصحية في المملكة من منظور عام يضعها في إطار واحد، على الرغم من اختلاف - بل وتباين - القطاعات الصحية التي تقدمها، والبقاء داخل إطار واحد لا يعني - بأي حال - الانصهار أو الاندماج،

بل يعني الترابط في نظام صحي وطني واحد يرتب العلاقات بين أجزائه، ويحدد لكل جزء دوره، ويوجه هذه الأجزاء - التي ما هي إلا القطاعات والمستويات وأنواع الخدمات الصحي الذي صدر بمرسوم ملكي في عام 1423هـ ونص في مادته الثانية على أن الهدف من النظام هو ضمان توفير الرعاية الصحية الشاملة المتكاملة لجميع السكان بطريقة عادلة وميسرة. وهل يمكن ذلك دون تكاتف القطاعات الصحية فيما بينها ودون تكامل الخدمات الوقائية والعلاجية والتأهيلية على مستوى المجتمع؟

من هذا المنظور العام أنظر أيضاً إلى الكادر الصحي الجديد الذي أقره مجلس الوزراء في الأول من جمادى الآخرة 1430هـ وصدر به مرسوم ملكي كريم، يتضمن الموافقة على تطبيق سلمين للرواتب في المستشفيات الحكومية العامة والتخصصية والمرجعية والمرافق والمراكز الصحية لمنسوبي لائحة الوظائف الصحية ومنسوبي برامج التشغيل الذاتي وأيضاً منح بدلات وحوافز متنوعة.

واشتمل القرار على المكونات الرئيسية التالية: 1- سلم الرواتب لكل من منسوبي لائحة الوظائف الصحية ومنسوبي برامج التشغيل الذاتي، 2- البدلات المصاحبة للرواتب، 3- المزايا والحوافز الأخرى، 4- توسيع مدى التدرج الرأسي لمجموعات الصيادلة والأخصائيين (غير الأطباء)، 5- توحيد فئتي مساعد صحي أ، ب في فئة واحدة.

ونأتي الآن على تفصيل ذلك:

أولاً - سلم الرواتب موحد لجميع أنظمة التشغيل وجميع الممارسين الصحيين من حيث:

أ- تقسيمه أفقياً إلى سبعة مستويات، كل مستوى ينقسم إلى أربع درجات (وهو ما كان متبعاً في لائحة الوظائف الصحية) فالمجموع 28 درجة تمتد على مدى ثمان وعشرين سنة.

ب - توحيد تصنيف جميع الممارسين في أنظمة التشغيل المختلفة إلى مجموعات تتفرع إلى فئات مهنية، ويكون المرجع في التصنيف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية.

وبالنسبة لهاتين الفقرتين أ، ب يتبادر إلى الذهن سؤال عما إذا كان هذا التقسيم الأفقي والتصنيف الرأسي مقفلاً وغير مرن - خاصة لبرامج التشغيل؟

والجواب يكمن في الوصف الوظيفي لكل وظيفة الذي يحدد مسماها الدقيق وطبيعة عملها والمؤهل المطلوب لها والدرجة التي يعين عليها ابتداء.

ج - مجموع الدخل الشهري للممارسين في الأنظمة التشغيلية متساوي. إلا أنه لمنسوبي لائحة الوظائف الصحية يتجزأ إلى راتب أساسي وبدل للتفرغ أو ساعات العمل الإضافية، وبذلك يكون الحسم التقاعدي على الراتب الأساسي فقط. أما لمنسوبي برامج التشغيل الذاتي فإن الدخل الشهري لا يتجزأ، بل هو بكامله يشكل الراتب الشهري، وبذلك يكون راتب التقاعد فيما بعد أعلى من راتب التقاعد لمنسوبي اللائحة أو أعضاء هيئة التدريس. وهذه ميزة ينفرد بها منسوبو برامج التشغيل الذين ينطبق عليهم نظام العمل ونظام التأمينات الاجتماعية - وحتى لو كان البدل منفصلاً عن الراتب، فإنه يخضع لحسم التقاعد ما دام مصاحباً للراتب. إلا أن منسوبي الأنظمة الأخرى يتطلعون إلى منح هذه الميزة لهم أيضاً وليس أمامهم إلا إحدى وسيلتين: فإما صدور مكرمة ملكية بضم بدل التفرغ وبدل الساعات الإضافية إلى الراتب الأساسي وحسم التقاعد على كل الراتب. ولا يترتب على مثل هذا الإجراء إلا تعديلات حسابية دونما حاجة إلى تغيير في السلم - فإن كان ذلك غير ممكن، تبقى الوسيلة الثانية التي سبق للزميل الدكتور موفق البيوك أن اقترحها، وهي حسم قسط تقاعدي على البدل - لمن يرغب في ذلك، يضاف إلى القسط المحسوم من الراتب. وقد تقف مؤسسة التقاعد بالمرصاد لمثل هذه الإجراءات لأسباب فنية واكتوارية. لهذا فالأمر يحتاج إلى إلحاح في المطالبة.

في مقابل الميزة التقاعدية التي احتفظ بها منسوبو برامج التشغيل الذاتي حصل منسوبو لائحة الوظائف الصحية على زيادات متفاوتة في الراتب الأساسي تتدرج من 31% للأطباء الاستشاريين إلى 10% للفنيين والمساعدين الصحيين. وقد يبعث هذا على التساؤل لماذا خُص الاستشاريون الأطباء بهذه الزيادة الكبيرة! والجواب المعقول يتطلب الاستشهاد ببعض المعطيات:

1- أن ما أثير في السنوات العشر الماضية حول تسرب الكفاءات السعودية - مرة إلى القطاع الخاص ومرة إلى برامج التشغيل الذاتي ومرة من المملكة إلى دول الخليج - بسبب الفوارق الضخمة في الرواتب كان ينصبّ على الأطباء الاستشاريين أكثر من غيرهم.

2- الأطباء الاستشاريون هم الذين خصّهم التنظيم الذي أصدره مجلس الوزراء عام 1422هـ القاضي بالسماح بفتح عيادات خاصة لهم في مؤسساتهم الحكومية خارج الدوام الرسمي كوسيلة لتحسين دخلهم.

3- اللجنة المكلفة من مجلس الوزراء في عام 1427هـ بدراسة موضوع توحيد سلم الرواتب قارنت بين الحد الأدنى للدخل الشهري لمنسوبي لائحة الوظائف الصحية من جهة ولمنسوبي برامج التشغيل الذاتي من جهة أخرى فوجدت أن الفارق لفئة الأطباء الاستشاريين أعلى من الفارق للفئات الأخرى.

ثانياً - البدلات المصاحبة للرواتب:

قرار الكادر الصحي اشتمل على بدلات تصرف مع الرواتب ولا تخص فئة دون أخرى ولا هي مرتبطة بأسلوب التشغيل، بل تأخذ في الاعتبار الخصائص الموضوعية التي تتميز بها الممارسات المهنية وتصرف وفق ضوابط ومعايير تحددها لجنة مشكلة في وزارة الخدمة المدنية تشارك فيها وزارة المالية ووزارة التعليم العالي ومجلس الخدمات الصحية (ممثلاً لجميع الجهات الصحية). وهذه البدلات هي:

1- بدل الندوة (30%). والندوة مفهوم ظرفي ينطبق على التخصص نفسه (تخصص نادر أو نادر جداً، لصعوبته أو قلة المراكز المتخصصة في التأهيل له، أو مهم ولكنه غير مرغوب لكونه مرهقاً أو محفوفاً بالمخاطر أو غير مرموق no prestigeوكذلك ينطبق على ندوة الممارسين أنفسهم، فيكون البدل مشجعاً على التأهيل لهذا التخصص. (وللمقارنة فإن وزارة الصحة سبق أن توصلت مع وزارة الخدمة المدنية إلى اتفاق على زيادة رواتب أصحاب التخصصات النادرة التي تجد وزارة الصحة صعوبة في التعاقد عليها من الخارج بسبب تدني الرواتب).

2- بدل التميز (30%): هذا البدل يمنح للأشخاص المتميزين أنفسهم الذين حصلوا على سمعة وشهرة في مجال تخصصهم بسبب تميزهم المهنئ؛ لأن من شأن هؤلاء أن يسهم وجودهم في رفع قدرة المستشفى على القيام بإجراءات طبية معقدة أو تدريب الممارسين على أداء مهني رفيع المستوى، أو جعل المستشفى مرجعياً على مستوى الوطن في تخصص معين. وهناك من غير الأطباء من يتميزون في مجال تخصصهم.

3- بدل التدريب (2000 ريال شهرياً): ويمنح هذا البدل لفئة الاستشاريين (أطباء وغيرهم) الذين يتولون الإشراف على برامج تدريب معتمدة وليسوا معينين أصلاً كمدربين.

4- بدل الإشراف (5000 للمستشفيات التخصصية والمرجعية، 3000 للمستشفيات العامة والمختبرات المركزية) ويمنح لأولئك الذين يشرفون على أقسام صحية أو طبية إضافة لعملهم الأساسي. من الأقسام المشمولة مثلاً قسم العلاج الطبيعي.

ثالثاً - المزايا والحوافز الأخرى:

1- أجاز قرار الكادر الصحي للجهات الصحية أن تميز بعض التخصصات الصحية عند التعيين بدرجات إضافية تزيد عن الدرجة التي يستحقها المتخصص بموجب تأهيله وخبرته في الأحوال العادية. هذا التمييز موجّه للتخصص نفسه، لأن المستشفى المعني في حاجة ماسة إليه ليكمل نقصاً مؤثراً على خدماته، أو لأن هذا التخصص ذو طبيعة تتطلب جهداً ومهارة أكثر مما تتطلبه التخصصات الأخرى، مما يجعل المساواة في راتب الدخول غير منصفة، أو لأن المنافسة على هذا التخصص في السوق شديدة. ولا يلغي هذا التمييز ما هو مقرر - من قبل - في لائحة الوظائف الصحية من منح ثلاث درجات إضافية لمن يحمل مؤهلاً في تخصص دقيق مضاف إلى التخصص العام.

2- منح مكافأة عن ساعات العمل الإضافي الزائدة عن ساعات العمل المقررة في لائحة الوظائف الصحية لجميع الفئات المشمولة بسلم رواتب منسوبي لائحة الوظائف الصحية - بمن فيهم من تعادل مستوياتهم المرتبة الثالثة عشر فما فوق. ولم يذكر هنا منسوبي برامج التشغيل لأن نظام العمل ينظم مكافآت العمل الإضافي.

3- يطبق على منسوبي برامج التشغيل الذاتي ما يطبق على زملائهم منسوبي لائحة الوظائف الصحية من بدلات أخرى لم تكن تصرف لهم من قبل - مثل بدل العمل في أقسام الصحة النفسية أو العزل أو الطب الشرعي.

4- أما أعضاء هيئة التدريس من ممارسي المهن الصحية فقد صدرت لهم لائحة الجامعيين بما تحمله من حوافز ومزايا وبدلات. لكن الكادر الصحي الجديد - مع ذلك - راعي حقهم في المساواة مع أقرانهم في الجهات الصحية الأخرى فأجاز منحهم نسبة من الراتب تعادل الفرق بين رواتبهم ورواتب نظرائهم المشمولين بلائحة الوظائف الصحية.

5- راعي الكادر الصحي الجديد الحاجة الاستثنائية التي تمليها الضرورة في أي من القطاعات الصحية لتعيين أفضل الكفاءات على المستوى المحلي والدولي الذين لا يمكن الحصول عليهم بما هو متاح من رواتب ومزايا فأجاز الرفع عنهم إلى لجنة وزارية من عدة جهات للبت في الطلبات المرفوعة. وعلى الأرجح فإن مثل هذه الكفاءات التي تطبق عليها معايير رفيعة لا توجد حاجة لها إلا في المستشفيات المرجعية وهي قليلة العدد.

6- راعي قرار مجلس الوزراء الاستمرار في صرف الرواتب والمزايا التي تمنح لمنسوبي برامج التشغيل الذاتي القائمين على رأس العمل وتزيد عن ما هو مستحق لهم بموجب سلم الرواتب الجديد. على أن لا يطرأ عليها زيادات أو علاوات حتى تنتهي مدة خدمتهم أو يقبلوا بالوضع الجديد.

إن من شأن هذا الاستثناء والاستثناء الذي قبله أن يحافظ على استقرار العاملين في برامج التشغيل الذاتي وعلى المستوى الذي بلغته المستشفيات المرجعية خاصة.

7- خص القرار الأطباء بميزتين هما:

- توفير السكن العيني أو صرف مقابل إيجار للسكن لا يتجاوز خمسين ألف ريال. وقد كان يصرف للأطباء بدل سكن قبل (28) عاماً كان يبلغ مائة ألف ريال في السنة. ثم ألغي لسبب ما. ولذلك فإن ما تضمنه الكادر الجديد ليس إلا نصف ما كان يصرف سابقاً.

- معاملة الطبيب المتدرب بعد سنة الامتياز مثل معاملة الطبيب المقيم المعين على وظيفة معتمدة. ومن الإنصاف عدم اعتبار ذلك ميزة خاصة لأن الطبيب المتدرب يقوم في الواقع بكل الأعمال والمسؤوليات التي يقوم بها الطبيب المقيم.

رابعاً - فئات الصيادلة والأخصائيين:

كانت لائحة الوظائف الصحية التي صدرت عام 1412هـ تصنف كلاً من مجموعة الصيادلة ومجموعة الإخصائيين (غير الأطباء) في فئة واحدة بحيث إن من يحصل من هؤلاء على الماجستير أو الدكتوراه يترقى بضع درجات ولكنه يبقى أسير هذه الفئة فيصل سريعاً إلى نهاية المستوى السابع ثم تتوقف علاوته فيلحق به زميله حامل البكالوريوس. ولذلك فضل بعض حملة الدكتوراه الخروج من الكادر الصحي إلى كادر نظام الموظفين (كادر المراتب). أما الكادر الجديد فقد قسم كلاً من هاتين المجموعتين إلى ثلاث فئات (صيدلي/ صيدلي أول/ صيدلي استشاري وأخصائي/ أخصائي أول/ أخصائي استشاري). فبذلك انفسح مجال الترقي وعلاوات الرواتب لحاملي المؤهلات العليا بحيث تزيد الرواتب في المستويات الأخيرة بمقدار 40% عما يتقاضونه في وضعهم الحالي.

خامساً - فئة المساعدين الصحيين:

كانت لائحة الوظائف الصحية تصنف المساعدين الصحيين إلى فئة أ وفئة ب. أما في الكادر الجديد فقد تم وضعهم في فئة واحدة تماثل مساعد صحي أ. وذلك لرفع مستوى التأهيل لهذه الفئة.

الخلاصة: أردت من استعراض ما اشتمل عليه الكادر الصحي الجديد أن أبين أنه يمثل إطاراً موحداً يلم شتات العمل الصحي الحكومي الذي كان مبعثراً بين مراجع صحية مختلفة تتنافس فيما بينها في تقديم المزايا المالية التي تغري ذوي الكفاءات الصحية للالتحاق بها مع أنها تنهل من مصدر مالي واحد، ولا تختلف فيما بينها إلا من حيث انتمائها إلى نظم مختلفة إما لنظام الخدمة المدنية (لائحة الوظائف الصحية) أو لنظام العمل (برامج التشغيل الذاتي) أو نظام الجامعات (لائحة أعضاء هيئة التدريس) أو نظام الخدمة العسكرية.

لذلك ليس من المبالغة أن يوصف قرار الكادر الصحي بأنه قرار استراتيجي عميق الأثر وبالغ الأهمية لنظامنا الصحي. فقد وحد جميع الممارسين الصحيين (وليس الأطباء وحدهم) تحت مظلة الممارسة المهنية عوضاً عن تفوقهم تبعاً لأنظمة الخدمة المختلفة، كما أنه راعي التوازن بينهم بجميع فئاتهم. ولعل هذا التوازن ولم الشتات يؤدي إلى أن تتضافر جميع الجهود لتحقيق هدف النظام الصحي.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد