بعد تأمُّل وتمعُّن في مشاعرنا نحو الدجاج، اتضح لي أننا متوازنون في التعامل معها مفردة أو جماعات، ففي الوقت الذي ُنعمل فيه السكاكين على رقابها والتهامها بالألوف في وجبات الغداء والعشاء بعد أن ازدردنا بيضها الناعم صباحاً، فإننا نصفها دائماً بالطيبة والحنان والكرم والعطاء، وها نحن نقيم مسابقات لجمال الدجاج في عدد من المناطق كمسابقة (الحباحب) بالشرقية لأجمل ديك، وهناك حلبات للملاكمة والمصارعة، وبالأحرى هي (مناقرة) بين الديكه يكون فيها ديك فائز والآخر يحتضر ليودع الدنيا بالنقرة القاضية، وحين يجعل أحدنا صوت نداء هاتفه النقال حين تتصل به زوجته على هيئة صوت الدجاج، فليس معنى هذا أنه يقارنها بغباء الدجاجة، لكنه يرمز لطيبتها وعظم عطائها، كذلك حين نصف أحدنا بأنه دجاجة، فليس المراد أنه ضعيف وجبان ولا رأي له، فربما كان المقصود العكس، أي أنه طيب القلب يعطي أكثر مما يأخذ ولا يتدخل بشؤون أحد، وحينما يقولون إنّ فلاناً دجاجة منقارها من حديد؛ فإنهم يقصدون أنه مسالم حليم لكنه لا يترك حقه إنْ اعتدي عليه .. ولنا نحن البشر حكايات تاريخية مع هذا الطائر الكريم، ويكفيه فخراً أنه صبر على سكاكيننا وأضراسنا ملايين السنين، ويكفيه شجاعة أنه لا زال صامداً يتناسل وبجودة أفضل من ذي قبل، مجبراً الإنسان على العناية والاهتمام به، عرفاناً بفضله وكرمه وجوده، فالدجاج بكل أصنافه وعرقياته وأطيافه وألوانه دائن لنا، فهو في الغالب مأكول مذموم ومحل السخرية منا، مع أننا لم ولن نستغني عنه، لدرجة أنني أشعر أحياناً أنّ الدجاجة مؤهلة لتكون صنواً لبعض البشر في عالم اليوم.