Al Jazirah NewsPaper Sunday  05/07/2009 G Issue 13429
الأحد 12 رجب 1430   العدد  13429
نوافذ
ما.... بعد
أميمة الخميس

 

جفَّت الأقلام ورُفعت الصحف وانتهى الموسم السنوى للامتحانات الذي يُطبق على المجتمع دورياً كخيمة تختنق بمشاعر القلق والترقُّب, ومحاولة اختزال المعرفة في كبسولات يتغصصها الطلاب عبر ليالي الامتحان.. لكن إلى أي مدى نستطيع أن نقول إن تلك الدفعات التي هجمت على الجامعات وسوق العمل بعد أن أمضت بين جدران المدرسة اثني عشر عاماً, قد امتلكت المعارف والمهارات والخبرات التي تتوازى مع هذه المدة الطويلة, أو أنها حازت على الأدوات والسلوكيات التي تعدها لمواجهة التحديات، ومقاربة الإشكاليات الحياتية ضمن فكر مبدع وخلاَّق.

بينما الآن لم نعد نسمع سوى أخبار اعتداء الطلبة على مدرسيهم بشكل متوحش, أو اعتداء على المنشآت العامة والمباني وتمزيق الكتب بشكل انتقامي؟!! فهل هذا الجنوح الانفعالي هو شكل من أشكال التمرد على رموز المؤسسة التعليمية التي باتت تُمثِّل بيئة جافة خانقة ومضطهدة؟

داخل الأسوار الأسمنتية القبيحة لمدارسنا.. هل كان هناك حيزٌ للتربية الجمالية كالفنون الجميلة الرسم، والتصوير، والموسيقى، والشعر، والآداب، فهي التي تهذب الحياة وترقى بها، وهي وسيلة من وسائل التعبير عن النفس وما فيها من انفعالات وتوق جمالي، بل هي مرآة ينعكس عليها كل ما في النفس من رغبات كامنة.

استمعت في جوال ابني إلى أغنية عربية من نمط أغاني (الراب وهي طريقة الغناء التي ظهرت بين طبقات المسحوقين والهامشيين في الولايات المتحدة تعبيراً عن رفضهم للقوانين والأنظمة المتصلبة والمتعجرفة ضدهم).. الأغنية التي سمعتها لمجموعة من الطلبة السعوديين يعلنون رفضهم لجميع رموزهم المدرسية وأساليب تدريسهم بكلمات معبأة بالتهكم والنقمة.

وقديماً قال الفيلسوف روسو الذي دعا إلى العودة إلى الطبيعة كونها المدرسة الأولى رافضاً التعليم المؤسساتي القامع للفضول الفطري والرغبة في الاكتشاف لدى البشر: (إنَّ الغرض الأساسي من تربية (إميل) هو أن أعلِّمه كيف يشعر، ويحب الجمال في كل أشكاله، وأن أثبّت عواطفه وأذواقه، وأن أمنع شهواته من النزول إلى الخبيث والرذيل، فإذا تمّ ذلك وجد (إميل) طريقه إلى السعادة ممهداً وأملي الوحيد أن يجد هذا في المنزل).

المغامرة الإنسانية الكبرى تحتم على البشر التزود بعدد من المعارف والخبرات التي تشحذ النفوس وترقى بالهمم, وتؤمن بالإنسان كقيمة وكهدف, والمادة المعرفية التي اعتادت المدارس حقن الأدمغة بها عبر عشرات السنوات عاجزة عن الوصول إلى هذا الهدف, وعاجزة أيضاً عن السمو بالطاقات والارتفاع بالغرائز وتهذيب النفوس.

ولا أظن أن التلويح بالعصا سيفيد في ضبط الفوران الشبابي, وتصرفاتهم السلوكية المنفلتة ضد الأماكن العامة والنساء والمارة.

فهل من أحد يستمع لثرثرتهم ويصغي لطموحهم, داخل مجتمع مكتَّف ومقولب داخل مسلَّماته؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد