يتحدث الجميع عن حقوق المؤلف، لكن لا أحد يطرح قضية حق القارئ! أو شروط المادة المقدَّمة على الرغم من كونه بلغة الإدارة الحديثة متلقي الخدمة أو المستهدف الأول، فعلى الغالب تترك عملية الفرز والغربلة للمادة المقدَّمة إلى عدد من الاعتبارات قد لا تكون الجودة أو اهتمام القارئ منها.
فعلى سبيل المثال بالنسبة إلى مقالات الرأي التي تُطرح في الصحف فليس من حق كاتب الرأي إن ارتج عليه في يوم ما، ولم يستطع الكتابة، وأعوزته الأفكار والمفردات، أو أزعجته الكتابة المتصلة بصورة يومية أو شبه يومية أن يجعل من هذا النضوب أو الشح موضوعا لمقالاته؛ حيث يملأ أسطرًا متتالية مع تجربته عندما ارتج عليه، وصراعه مع القلم، ومراوغته موعد التسليم وإلحاح المخرج الفني المسؤول عن صف المقال، وجميع تفاصيله الصغيرة وهو يطارد الجمل والمفردات الهاربة إلى أن تنتهي المساحة المحددة للمقالة. ألم يكن من الأفضل له أن يصمت، ويلتقط أنفاسه، إلى أن يستعيد لياقته الكتابية؟
الزعيق الأيديولوجي على الغالب يصمّ القارئ، من حق القارئ أن تقدَّم له مادة موثقة بمصادرها وأرقامها، وحتى إن لم يكن المقال الصحفي مرجعاً علمياً، ولكن تبقى علاقة لا بد أن تقوم على الاحترام الخالص والأرقام الواضحة، التي من شأنها ألا تضلل الرأي العام.
ومن حق القارئ أن يحصل على مادة طازجة نضرة مقدَّمة بحرفية ودربة، لا تشير تواريخها إلى انتهاء الصلاحية؛ فذائقة القارئ سرعان ما تكتشف المادة البائتة والمكرورة المرصعة بالاستشهادات والمنكهات التي تحاول أن تخدع ذائقته.
ومن حق القارئ ألا تتحول المساحة المتاحة لكاتب المقال فوق صفحات الجريدة إلى إحدى أوراق العمل الرسمي! فتجير لتلميع وترويج فكرة تحدث عنها المدير في آخر اجتماع له، فيقفز بها الكاتب إلى زاويته؛ كي ينال مجد لقب شاعر الوزارة أو بوق الوزارة. من حق المقالات ألا تتحول إلى ساحات للوغى يتم بين أسطرها اقتصاص الكاتب من أعدائه وخصوماته الشخصية بصورة غير مباشرة عبر التورية والكلام المبطن.
ومن حق القارئ عندما يقف على أعتاب المقال أن يحسن الكاتب استقباله ووفادته، وليس من حقنا أن نفتح أمامه سلة أوجاعنا أو مشاكلنا الخاصة. لا بد أن ينال أفخر وأجود معروضاتنا؛ لأنها مرة وحيدة التي سيقفها هناك، بعدها سيحدد موقفه من الزاوية الصحفية إلى الأبد.