وبعد أن انتهت معركة (مناحي) الفكرية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، وبعد السجالات القائمة والداعية بدور سينما داخل السعودية (كما أؤيدها)، وبين مناهضي للفكرة من أساسها، وبعيداً جداً عن (الإقصاءات) التي مارسها بعض الأطراف والتحجيم والتقليل من الأهمية، فإنني كنت (معجباً) جداً وما زلت بالطريقة (الحضارية) التي مارسها بعض رافضي وجود السينما ووقوفهم خارج مبنى مركز الملك فهد الثقافي بما سميناه (اعتصاماً) يمارسه بشكل طبيعي كل إنسان في العالم.
يوما الاثنين والخميس من الأسبوع الماضي وقف مجموعة من الشباب لهم وجهة نظر كان لا بد للجميع احترامها وعدم استفزازها بطريقة (مخجلة)؛ فهم مارسوا حقهم الوطني وبنوه على ما ظنوا بصحته ويخالفون به غيرهم، وكنت ضد من صنَّفهم على أنهم متشددون أو متزمتون، ولو كانوا كذلك لرأيتم العجب العجاب.
ومثلما يحدث في دول الدنيا كاملة من شرقها إلى غربها من مناهضين ومعارضين لبعض الأفلام السينمائية فإن معترضي المعترضين يصفقون لهم باحترام ويصفون ما يقومون به بالحضاري فيما يحاولون الكيل بمكيالين لمن اعترض هنا وسفهوا نظرتهم للواقع وبعضهم ألغاها تماماً ووصفوها للأسف بما لا يليق.
مشكلتنا تكمن في إما أن تسير معي أو تقف ضدي، ولا وسط في جدالنا، رغم أنني سمعت مقولة من المعترضين بأنهم (مواطنون) ولهم الحق في الاعتراض، وهذه الجملة بحد ذاتها لا يروج لها متشدد ويحرمونها إن جاز لي التعبير.
حقيقة، وللأمانة، فقد أبدى بعض من هؤلاء الشباب (المحتسب) موقفاً حضارياً كاد أن يفسده المتحمسون منهم، وتم التعامل معهم كما ينبغي (وقائياً)، ولعلّي أكرر على (حضارية) تصرفهم وأتبرأ من الذين بشروا الزملاء في لجنة التنظيم والصحافة بالنار وبئس المصير أو الذين حاولوا ممارسة طرق (غريبة) في توصيل وجهة نظرهم وكأنهم في مدرجات ملعب وقالوها بكل صفاقة ودون أدب.
اكتشفت اليوم أن غالبيتنا يريد دور سينما، وبعض قليل لا يرغب بها لأسبابهم التي لم يكتمل نصابها لتقنعنا، وربما لن تكتمل، وليس من حق أحد أن يعترض على رغبتنا، والعكس صحيح.
من الجميل أن ترى مؤيداً ومعترضاً في الساحة أمامك، ولم يعد اللعب في جنح الظلام مرغوباً من أحد، فيما لا يجب على أحد من الطرفين وضع العربة أمام الحصان للوصول إلى مبتغاه واستباق ما يريد الوصول إليه ونسف الآخرين بكل ما أوتي من حنق وغضب، كما يريد لنا البعض، والتركيز على الحياة بعين (عوراء).
فيلم مناحي كان فرصة للجميع بحركة ثقافية شعبية قال من قال بوجوبها واعترض (قلة) على حدوثها، وكما قال زميلنا محمد آل الشيخ إن ما حدث الأسبوع الماضي سيكون ضرباً من التاريخ، وأنقل ما قال بالحرف: من يعارضون اليوم السينما سيكتشفون في الغد أنهم كانوا مخطئين، وسينضمون إلى الركب، ومثلما عارضوا في الأمس (القنوات الفضائية) ثم تنافسوا (اليوم) على استثمارها (دعوياً)، ستمر السينما بما مرت به الفضائيات.
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa