Al Jazirah NewsPaper Monday  15/06/2009 G Issue 13409
الأثنين 22 جمادىالآخرة 1430   العدد  13409
ربيع الكلمة
مدمنو اكتئاب!
لبنى الخميس

 

نشأنا ونحن نسمع أن السعادة تنبع من داخلنا.. وتربينا على مقولة إيليا أبوماضي (كن جميلاً ترى الوجود جميلاً).

وأثبتت هذه المقولة صدقها في كثير من الأحيان.. فإذا كنا سعداء وأصحاء من الداخل ينعكس ذلك ضوء ً وصحة وسعادة إلى الخارج.

ولم يكن المال أو الجمال أو حتى السلطة سببا للسعادة وقد يثبت لنا ذلك انتحار أدولف هتلر وألفيس بريسلي والجميلة مارلين مونرو.

هناك فئة جديدة من الناس لا تتفق مع ما ذكرته.. جمع من البشر أطلق عليهم اسم (مدمنو اكتئاب) يبحثون عن السلبية والسوداوية.. ينتقدون بشراهة.. لا يرون إلا الجزء الفارغ من الكأس.. يعيشون داخل دائرة المؤامرة الخبيثة، ويعانون من عقدة الاضطهاد، فلا تكاد تسلم عليهم حتى يمطروك بوابل من الأخبار السيئة التي لا يروا سواها.. وإن حاولت أن تتناقش معهم وتقنعهم بحقائق دامغة أن هناك ضوء ً في آخر النفق ضحكوا عليك بألم وقالوا لك (يا حليلك بس) فهم يعتقدون ويجزمون أنك ساذج ومسكين ولا تعرف ما يعرفونه!.

إن هذه الفئة المزعجة من الناس منتشرة بكثرة هذه الأيام وللأسف أنك حين تجالسهم بكثرة فإنك لا شعوريا تصبح مدمن اكتئاب مثلهم.. تتبنى أفكارهم التشاؤمية وفكرهم الحدي الذي لا يعترف بالرمادي بل بالأسود أو الأبيض فقط.. بالموت أو الحياة، بالانتصار الأسطوري أو الهزيمة الساحقة.

فيصبح تفكيرك السلبي وغير الآمن خارج عن حدود السيطرة، فكلما تشبعت بأخبار وتفاصيل تغضبك ازدادت حالتك سوءا، حيث تقودك فكرة نحو فكرة أخرى وكأن هناك كرة ثلج تجرف معها كل فكرة جيدة وهكذا حتى تصبح عند نقطة ما ثائرا وساخطا على نحو لا يصدق.

ومن أهم العلامات الفارقة في مدمني الاكتئاب، أنه من الصعب إرضائهم فهم في حالة هم وغم و(طفش) دائم.

وهذا يجعل كثير من الناس ينفرون منهم حين تفشل محاولاتهم بإسعادهم ورش بعض من الأمل والتفاؤل على عالمهم.

فحين يمرون بمشكلة قد تكون تافه، فهي بنظرهم أزمة قومية يجب أن يشاركهم الجميع بها.. سواء أرادوا ذلك أم لم يريدوا!.

كما أنهم مدمنو نقد يحترفون فن الانتقاد وتصيد الأخطاء والزلات وإيجاد النقاط السوداء.

وإن الانتقاد يعزز الغضب بداخلنا، ويضعف ثقتنا بعالمنا والناس من حولنا، ومن سخرية القدر أن من يكثر النقد هو الأكثر غضبا وحنقا حين يُنتقد!.

للأسف أن عالمنا والمجتمع من حولنا أصبح مليئاً بهذه النماذج من البشر ولكي أكون منصفة، إن الظروف التي مررنا بها ابتداءً الأزمة الاقتصادية وانتهاءً بانهيار سوق الأسهم وغلاء الأسعار والعقار في المملكة والأزمات السياسية التي تعصف بعالمنا العربي قد تجعل الإنسان والمواطن العربي يميل إلى التشاؤمية والانتقاد وهنا يبدأ التحدي الفعلي، فحين ننساق نحو مسارات مظلمة وتشاؤمية ونفترض الأسوأ ونعيش وننمو داخل دائرة مؤامرة الغرب علينا فإننا بطبيعة الحال نتراجع بل ننحدر.

لمدمني الاكتئاب، أقول.. إن الحياة ليست بالبشاعة التي تعتقدون، وإن هناك أشياء جميلة ستتعرفون عليها فقط إذا نزعتم النظارة السوداء عن أعينكم.. وأن ليس هناك في الدنيا شيئا جيدا أو رديئا، التفكير يجعله أحدهما.

كما أن نقد ولوم الأشياء والناس يستهلك قدرا هائلا من الطاقة النفسية والذهنية، وإنها طريقة تفكير محبطة تسبب الضغط والمرض، فلوم ونقد الآخرين يجعلك عاجزا عن التحكم بحياتك لأن سعادتك متوقفة على سلوك وأفكار الآخرين التي لا يمكنك التحكم بها - بطبيعة الحال -!

كما يجب عليك أن تتنازل وتتصالح مع عدم سير الأمور دوما كما تريد وتتعايش مع عدم الكمال.. فيقال إنه حين تتخلص من حاجتك إلى الكمال في مختلف مجالات حياتك ستبدأ في اكتشاف الكمال في الحياة ذاتها.

وإذا وجه إليك نقد فلا تجزع وتنقلب على نفسك وعلى أحلامك، فإذا ألقى إليك أحد كرة، فلست مضطرا للإمساك بها أليس كذلك؟؟.

وأخيرا الدنيا والآخرة أيضاً متاع الإنسان الصالح ودار أمان اطمئنان لذاكر الله وشاكره (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).

نبض الضمير: الألم أمر حتمي، ولكن الشقاء أمر اختياري.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد