الخبر الذي أورده الزميل معاذ الجعوان عبر (الجزيرة) قبل أيام عن تبرع الفنان القدير عبد العزيز الهزاع بحقيبته المدرسية حينما كان طفلاً في مراحل تعليمه الأولى قبل نحو 66 عاماً جاء رشيقاً ومعبِّراً، يعكس حس الفنان النبيل، ووعيه الكبير بأن العمل الخيري سيتفاعل مع مثل هذه الصور الإنسانية البسيطة.
فالخبر الذي أورده الجعوان يحتاج منا إلى مزيد من التأمل، فلأبي سامي مواقف إنسانية مشابهة، فكثير ما تبرع، على الرغم من أن جيوبه وحساباته لم تتخم بريع ومكاسب الفن، وما على شاكلته، فنحن نعرف أنه يعيش بكل تواضع وإنسانية.. إذ لم يتعال (الهزاع) يوماً على مَن حوله، ولم ينشد أي مكاسب، إنما ظل هذا الفنان والممثّل الشعبي أستاذاً بارعاً لأجيال من الممثلين في بلادنا.
حقيبة الفنان الهزاع المدرسية تذكِّرنا على نحو بديع بأن نثق بتجارب أهلها، وأساتذتنا في أي مجال، فننشد من اسشاراتهم وتوجيهاتهم كل ما من شأنه خدمة العمل الخيري في بلادنا، فقد ثبت للجميع أن المشاهير من أهل الرياضة والفن والشعر لهم قدرة فريدة على استقطاب الجمهور نحو هذه الممارسات الإنسانية التي ستصنع لنا قاعدة خيرية يمكن لنا أن ننطلق منها نحو التكافل والتعاضد وقضاء الحاجات.
فرغم توجس البعض من مثل هذه التجارب إلا أننا بحاجة إلى مد يد العون والمساعدة لمن حولنا من محتاجين وضعفاء ومرضى، وليس أفضل من خطوة الفنان عبد العزيز الهزاع بالمزاد على أغلى ما يمتلكه، ويذكّره - كما يقول في التقرير - بوالديه رحمهما الله.
فمن منا لا يعرف الهزاع، وتمثيلياته، واسكتشاته، ومنلوجاته التي غلب عليها الصوت قبل الصورة في الراهن الجديد.. فهو أستاذ التمثيل العفوي، ومدير مدرسة الكفاح النبيل من أجل النجاح الجميل، حينما تبرع بحقيبته المدرسية لصالح أعمال الخير، فهو الذي يود أن تكون لفتة أخوية، ورسالة معبِّرة من هذا الرجل الكبير جداً في عطائه.
عبد العزيز الهزاع هو رائد الحركة الفنية، ومهندس التمثيل، مع باقة من ممثلي الزمن الجميل، واضامة ممن تعبوا، وشقوا في إرساء دعائم العمل الفني لدينا، فقد برع الهزاع في أنه قلَّد بصوته الجميل أكثر من سبع عشرة شخصية فكانت أقرب المقولات، وأصدقها حينما أطلق عليه عبارة (جماعة في رجل) لأنه يتفرّد بموهبة التقليد، والتمثيل، واستحضار الصور الاجتماعية التي ظل يعالج أوجه القصور فيها حتى عهد قريب.
فكم أسعدتنا قفشاته، ومواقفه الفكاهية، وأساليبه الخفيفة عبر الإذاعة، وعلى وجه التحديد في يوميات أم حديجان، في شهر رمضان المبارك.. فكان صوته مميزاً، وحضوره العفوي مناسباً، ويرقى إلى مستوى النقد الاجتماعي الهادف، إلا أنه ومع تقدمه في العمر تحولت الحكاية الأصلية من ليالي (أم حديجان) الرمضانية إلى نهارات (أبو حديجان) المتوازنة في طرحها وحضورها.
Hrbda2000@hotmail.com