Al Jazirah NewsPaper Monday  15/06/2009 G Issue 13409
الأثنين 22 جمادىالآخرة 1430   العدد  13409
بين الكلمات
لغة محكية جديدة
عبد العزيز السماري

 

أصبحنا في أقرب من أي وقت مضى لعصر الانفتاح الذي لا يعترف بسلطة الأخلاق، ولا يهتم كثيراً بالذكر أو الصيت الحسن، والشاهد على ذلك انتشار ظاهرة الظهور إعلامياً والتحدث عن التجارب الشخصية المحرمة وإن كان أحيانا من وراء حجاب، والتي من المفترض أن تدخل في دائرة الستر عند الابتلاء، وتعتبر الفضائحية مادة دسمة في عالم الإعلام الغربي، فكثير من البرامج الشهيرة في الغرب تعتمد على جذب المشاهدين الذي لديهم تجارب شخصية متطرفة، ودفع الأموال لهم من أجل الوقوف أمام الكاميرا ثم التحدث بحرية تامة عن أسرار كانت غير صالحة للنشر من قبل.

كذلك يدخل في ذلك كتابة السير الذاتية التي يكون من فصولها التجارب الشخصية والعلاقات مع المشاهير، والتي قد تكون مصدر ثراء لأصحابها، ومنها سيرة مونيكا لوينسكي وعلاقاتها في البيت الأبيض مع الرئيس بيل كلنتون، وغيرها من القصص التي لا يمكن حصرها في هذا الإيجاز المختصر، وتأتي الإثارة في هذه السير أنها تُكتب وأشخاصها على قيد الحياة، وهو ما تؤمنه لهم ما يُطلق عليه في الغرب بحرية الرأي وحق التعبير، وهو باب فتح فرص لا حصر لها للثراء السريع.

عادة يكون الحظ في موعده مع الكاتب إذا كانت تجربته الشخصية والخاصة جداً مرتبطة بأسرار شخصية مرموقة، وهو ما سيحقق له الانتشار السريع وبيع ملايين النسخ من الكتاب أو السيرة الذاتية،.. لكن حجر الزاوية في تلك المعادلة هو الالتزام بروح القانون وعدم تجاوز خطوط متفق عليها، والتي إن حدثت ستكون عواقب المغامرة تعويضات مالية باهظة عن الضرر الشخصي بالأخر.

بدأ المشهد المحلي رحلته في عالم الشفافية الجديد عبر الروايات الشفهية، لكنها أقلعت مع دخول المجتمع عصر الإنترنت وتقنية الاتصالات، لكنها إلى الآن لم تدخل بعد سير الفضائح الشخصية المكتوبة، وكشف الأسرار كسبيل للثراء السريع، ولم تزل تتحرك ضمن دائرة الفضول البشري لمعرفة فضائح المشاهير، أو البحث عن اعترافات المهمشين والمغمورين في غرف (البالتوك)، وغالباً ما يؤدي هذا الطريق في نهاية الأمر إلى المادية كما هو الحل في الغرب من خلال استغلال شغف القارئ لمعرفة أسرار وخفايا الحياة الشخصية للآخرين.

كذلك يظهر مع هذا التغيير في المجتمع المحلي خروج لغة محكية مختلفة نوعاً ما، تتصف بعد التزامها بمفردات اللغة المتعارف عليها، وبأدنى مبادئ الأخلاق الدينية، وتظهر فيها بجلاء مفردات اللعن والشتم والسب كلزمة يبدأ بها الكلام وينتهي، وغالباً ما تحتوي اللغة الجديدة على سلوكيات فضائحية تدخل ضمن كوميديا ساخرة يقدمها الفكاهي الشعبي للجماهير الغفيرة في غرف افتراضية داخل الشبكة العنكبوتية.

قد لا يأخذ الكثير ما يحدث بالجدية في الوقت الحاضر، لكنها في واقع الأمر دليل وبرهان على اختراق ثقافة شعبية ساخطة على كل الموانع والحواجز التي كانت تقف وراءها اللغة الرسمية والدين في المجتمع، والتي كان يتحكم في مفرداتها النخبة أو الصفوة، ويختفي في مقدماتها الصفوف الخلفية والممثلة في الطبقات المهمشة خارج المشهد العام، وقد حدث شيء من ذلك في مصر عندما خرجت على السطح موسيقى وكلمات مختلفة عن تلك التي كانت يجتمع حولها أهل السلطة والمال في القاعات الملكية قبل وما بعد ثورة يوليو.

يوجد لهذه اللغة جذور في الماضي، لكنها كانت محاصرة بسلطات الأخلاق والدين في المجتمع، ولعل الجديد في الأمر ازدياد شعبيتها وخروجها من الغرف الضيقة إلى عالم الفضاء الواسع..، والمفارقة أن بعض الصحف المحلية الرسمية احتفلت بخروجها من عزلتها، وتقديمها على أنها تمثل نوعا من أنواع الكوميديا الساخرة، في حين أنها في واقع الأمر تمثل حالة لاواعية من الخروج عن السلطة المتمثلة في اللغة والدين والصورة الإعلامية الرسمية..تحياتي




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد