Al Jazirah NewsPaper Monday  15/06/2009 G Issue 13409
الأثنين 22 جمادىالآخرة 1430   العدد  13409
ما قالته العرب عن الخطيب أوباما
د. عبد الرحمن الحبيب

 

على مدى الأيام العشرة الماضية منذ إلقاء خطبته الموجهة للعالم الإسلامي شغلت أفكار أوباما العالم العربي عبر مئات المقالات الصحفية وآلاف التعليقات والمشاركات في الإنترنت.. فما هي التوجهات التي أخذتها تلك التعليقات والمقالات ؟

وهل نجح الخطاب في تغيير أفكار البعض عن أمريكا؟

قمتُ بجمع 1200 تعليق مشارك في موقع بي بي سي الإلكتروني بالعربية، ترد على الأسئلة التالية: هل جاء الخطاب كما توقعت؟ وما هو أكثر ما أثار اهتمامك فيما ورد فيه؟ هل ستتغير طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والمسلمين بعد هذا الخطاب؟ هل أنت على استعداد لتغيير نظرتك لأمريكا؟ ثم قمت بتوزيع الإجابات على ثلاث مجموعات؛ الأولى تضم أولئك الذين لديهم موقف مؤيد أو يميل للتأييد ومرحب بخطاب أوباما، ويراه خطاباً تاريخياً جيداً ويبشر بفترة إيجابية؛ المجموعة الثانية، على العكس، لديها موقف رافض للخطاب وترى أنه لم يأت بجديد أو أنه خطاب سيئ لا يبشر بخير.. ومجموعة ثالثة محايدة، ترى أن الخطاب جيد ولكنها تضع شروطاً أو مطالب لذلك، وهي متفائلة بحذر..

حصلت المجموعة الأولى المؤيدة على نسبة 45% ، مقابل 24% للمجموعة الثانية الرافضة للخطاب، بينما بلغت نسبة المحايدين 31%. هذه النسبة مفاجأة بالنسبة لي، لأني توقعت أن نسبة المعارضين ستفوق نسبة المؤيدين، ولكن يبدو أن الخطاب أثر في تغيير مواقف البعض. وما يؤيد هذا الاستنتاج أن محطة تلفزيون فوكس الأمريكية أظهرت في استطلاع قبل إلقاء الخطاب أن نسبة كبيرة من العرب يكرهون أمريكا حسب تعبيرها، ووضعت هذه النسب: 54% للأردن، 46% لمصر، 43% للسعودية.. وللعلم فتلك محطة يمينية متطرفة تعارض توجه أوباما الانفتاحي، مما يعني أن نأخذ أرقامها بحذر شديد..

ومن طرائف ما وجدته من تعليقات العرب: الخطاب سيئ وفاشل ولا خير فيه، مع أنني لم أسمعه ولم أقرؤه! مثل هذا التعليق تكرر قليلاً.. فهل تنفرد ثقافتنا العربية بمثل هذه الجرأة على إبداء الرأي في أمر لا يمتلك به المعلق أو الكاتب الحد الأدنى من المعلومات التي تكفي للتعليق أو الكتابة؟ ومن المضحك أن تجد بعض التعليقات تطالب أوباما بتحرير فلسطين، بل من يطلب أن يقوم أوباما بإدخال أمريكا إلى الإسلام إذا كان صادقاً في خطابه!!

وإذا انتقلنا إلى المقالات العربية، فقد قمت باستعراض 110 مقالات، واتبعت معها نفس التقسيم السابق للتعليقات، وكانت النتيجة أن أعلى نسبة كانت للمجموعة المحايدة 46% تلتها المجموعة المؤيدة للخطاب بنسبة 33% وأخيراً النسبة المعارضة وكانت 21%. وفي تقديري أن تلك النسب متوقعة، حيث النسبة الأعلى هي للمحايدة نتيجة لطبيعة مقالات الكُتَّاب التي تميل للتحليل والتشكيك بلا تأييد أو رفض.

وقد توقعت أن تكون النسبة المؤيدة للخطاب لدى الكُتاب أكثر مما هي لدى القُرَّاء، باعتبار أن عاطفة الرفض تجاه الآخر هي لدى العامة أكثر مما لدى النخبة، لكن أظهر القُراء انفتاحاً أكبر من الكُتاب.

وإذا كان لهذه الظاهرة شيء من الصحة، فهي تشير ولو جزيئاً إلى أن الكُتاب العرب هم من العوامل التي تساعد على توجيه الرأي العام نحو التشدد مع الآخر وليس الانفتاح!!

وإذا كانت تلك العينات التي اخترتها هي قريبة من التمثيل ولو نسبياً، فإنها تشير إلى نجاح خطاب أوباما في التأثير الإيجابي، وتمكنه من تحسين النظرة تجاه أمريكا.

ذلك طبعاً، لا يعني أن التغيير يمكن أن ينجزه خطاب، فأوباما نفسه ركَّز على ذلك في أكثر من موقع بخطابه: (إنني أقوم بذلك إدراكاً مني بأن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها. ولا يمكن لخطاب واحد أن يلغي سنوات من عدم الثقة).. وفي موضع آخر يذكر: (إنها مسؤولية تصعب مباشرتها)..

وهذه النقطة تجرنا إلى ما كان يتوهمه البعض من أن يقوم أوباما بوضع حلول للقضية الفلسطينية، وهي قضية العرب المركزية، ولكن الخطبة كانت للمبادئ الإنسانية العامة، كما أنها كانت موجهاً للعالم الإسلامي وليس للعالم العربي فقط.

ولا شك أن خطاب المبادئ العامة لا يخلو من فخاخ لأنه فضفاض وضبابي.. والأخطر عندما يريد أن يرضي الجميع.. الحكومات والمعارضة، المنظمات الحكومية والمنظمات غير الحكومية، الشرق والغرب.. الخ، ومن يريد أن يرضي الجميع فقد لا يرضي أحداً في النهاية.

وفي هذا السياق علقت سارة ليا ويتسن من هيومن رايس ووتش (المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا): (بدأ أوباما بداية جيدة نحو استعادة صورة أمريكا في الشرق الأوسط، إذ أكد على دعم الولايات المتحدة لمبادئ حقوق الإنسان ووضع المبادئ العامة، لكنه الآن بحاجة إلى أن يكون أكثر وضوحاً وتحديداً بشأن ما ينبغي أن تتوقعه واشنطن من حليفاتها، من إطلاق سراح السجناء السياسيين، ووضع حد للتعذيب، والسماح بحرية الصحافة، والتسامح مع المعارضة السياسية الحقيقية).

وأوباما جاهد أن يكون خطابه صريحاً شفافاً ويخلو من الأقنعة، مكرراً ذلك في غير موقع:.. (يجب علينا من أجل المضي قدما أن نعبر بصراحة عما في قلوبنا وعما لا يقال إلا وراء الأبواب المغلقة..).. وقال في موضع آخر: (وستكون تصريحاتنا التي تصدر علناً هي ذات التصريحات التي نعبر عنها في اجتماعاتنا الخاصة..). هذه ما أيده صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين بأن كلام أوباما في الاجتماعات الخاصة هو نفسه في العلن..

ومن التعليقات المثيرة التي تجمع بين الطيش والحكمة، لمشارك باسم أبو ضيف: (أوباما قارئ جيد للتاريخ تعلم قول نابليون: إن الدين قوة ولكن عليك أن تحرك الناس من خلال دينهم هم وليس من خلال دينك أنت. لذلك جاء خطاب أوباما متوازنا نحو العالم الإسلامي ومتفهما لمشاعر اليهود والمسيحيين، ولكن تبقى في النهاية غايات ومصالح علينا أن نحققها بالتنسيق بين إسرائيل وحليفتها الرئيسية (أمريكا) وبين العرب وحليفهم المحتمل (أمريكا)، وهذا يعرض أوباما لخطر على حياته الشخصية إذا مست ضغوطه طموحات إسرائيل فلنتريث ولا نستبق الأحداث).

الخطب العظمية التي أثرت في تاريخ العالم لا تضم الصدق والحقيقة فقط؛ بل يمكن أن تضم خدع كبرى! فبلاغة الخطيب وجاذبيته (الكارزما) يمكن أن تضيء وتكشف الدروب نحو الأمام للبشر، ويمكنها أيضاً أن تحجب وتطمس النور.

لقد تمكن الزعماء والقادة العظماء الذين امتلكوا موهبة خطابية فذَّة من تغيير العقول والقلوب، بعضهم نحو الأفضل وبعضهم نحو الأسوأ.. ولا شك أن أوباما خطيب عبقري ومؤثر بارع، لكن الحكم على قدراته السياسية في مواجهة معضلات تاريخية معقدة لا يزال مبكراً.. (المخاوف كثيرة وانعدام الثقة كبير، لكننا لن نتقدم أبداً إلى الأمام إذا اخترنا التقيد بالماضي). باراك أوباما.



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد