Al Jazirah NewsPaper Monday  15/06/2009 G Issue 13409
الأثنين 22 جمادىالآخرة 1430   العدد  13409
الرئة الثالثة
مَن عدوُّ مَن في التعامل الإداري.. المراجع أم (الروتين)؟!
عبدالرحمن بن محمد السدحان

 

تزخرُ بعض المجالس وأعمدة الصحف بأنين الشكوى من طرف واحد ضدّ ما يسمى (الروتين) الإداري، حتى بات بعض الناس ينعتُ ذلك الأنين ب(الحُمّى) المعدية، حين يسقطون اللّوم كله، عند تعثّر إنجاز مصالحهم، على منظومة الإجراءات والتعليمات المقننة لإنجاز هذه الخدمة أو تلك.

**

* والحقّ أن هناك عوجاً في بعض تلك الإجراءات يُسيّرها الغلوّ في درء الشك أو دفع الزّلل من لدن صاحب القرار، فيتعطل إنجاز المهمة، وهذا أمر يمكن التعامل معه والتغلّب عليه متى توفرت النية الحسنة، مقترنة بالدراية المتخصصة والإدراك السليم لمصالح الناس.

**

* لكن.. هناك حالات أخرى من الشكوى، لا أملك تحديدها إحصائياً، تفشل في إثبات شرعيتها حين تخضع للبحث الدقيق، ثم يكتشف الباحث أن (الروتين) الإداري ليس الملوم وحده في تأخر الإنجاز، بل المستفيد من الإنجاز نفسه، إما لعدم توفيره معلومات يتطلبها إنجاز المصلحة، أو لانتفاء (المرجعية) النظامية التي يمكن أن يبنى عليها ذلك الإنجاز، أو بسبب إصرار صاحب المصلحة على الإنجاز بأزهد وقت وأقصر طريق، استنثاءً من أي قيد أو اعتبار!

وأتذكر هنا أن مواطناً جادلني مرةً حول هذا الموضوع مدعياً أنني لا أعاني مثله محنة الوقوف في (الطوابير) لدى بعض الإدارات المتصلة بمصالح الناس، إلا من (خدمته) (الواسطة) من لدن صديق أو قريب أو ذي جاه ينجز مصلحته في هذا الجهاز أو ذاك!

**

وتعليقاً على ما سلف، أقول:

أولاً: إنني لا أبرئ ساحة (الروتين) أو أخلع عليه رداء (العفة) من نقص أو عوج، فهناك مصالح يمكن أن تؤدى بإجراءات أقل ووقت أقصر، لو خضعت إجراءاتها لمحك التقويم الدائم، تشخيصاً وعلاجاً!

***

ثانياً: لكن انشغالنا بتوزيع التهم على (الروتين) بشقيه الإنساني والإجرائي، لا يمكن أن يصرفنا عن تلمس الخطأ في ساحة المستفيد بالمصلحة، حين يكون هو نفسه سبباً في تعطيل مصلحته، إما بطلب الخروج على قاعدة ما باستثناء يصعب تبريره، أو تتعذر أداته لدى المسؤول المعني، وإما بحجب معلومة أو وثيقة يعتمد عليها إنجاز المصلحة، ونحو ذلك، هنا فقط، يكون المستفيد بالمصلحة أهلاً للوم، لا (الروتين) الذي يسقط عليه (فلكورياً) وزر تعثر المصلحة!

**

ثالثاً: من قال إن (الوقوف في الطابور) عيب يؤذي كبرياء المراجع، أو أن الطابور نفسه مؤشر خللٍ في أداء هذا الجهاز أو ذاك؟!

أليسَ من الأوْلى القولُ بأنّ (الطابور) ظاهرة صحية ومظهرٌ حضاري، لا العكس، وأنه (مُرشدٌ) عقلاني للعلاقة بين الجهاز ورواده من أهل المصالح؟! أليس (الطابورُ) ميزانَ عدلٍ يحفظ للمرء حقه وماءَ وجهه، فلا يَخْضعُ ل(مِنّة) الوسطاء، ولا (حرَج) الأقرباء، وأخيراً، ما هو البديلُ، في نظرِ المنتقدين لظاهرة (الطابور)؟!

**

* وبعبارة أخرى، أيهما أكثر حضارية وإنسانية وأمناً، أن يتسلقَ الناسُ على أكتاف بعضهم في المواقع التي تستقطبُ زخماً جماهيرياً، وتكون الغلبةُ فيها للأضخمِ بدناً.. أو الأغلظِ قولاً؟ أم أنْ يقفوا في صفوف منتظمة تعبرُ عن احترامهم لآدميتهم، وكرامةِ الآخرين؟!

**

* أعودُ إلى عنوان هذا الحديثِ فأقول: ستبقى (الحربُ) سجالاً بين (الروتين) و(المراجع). ما دام الكلُّ يدعي (وصلاً) بالحق له دون سواه. أما إذا قوِّمتْ ونقِّيتْ المفاهيمُ والمواقفُ لدى كلٍّ من الجانبين، فسيحلُّ السلامُ بينهما قبلَ أن تتفقَ كلُّ الأطرافِ المعنيةِ بقضية فلسطين على معادلة عادلة للسلام!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد