Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/05/2009 G Issue 13387
الأحد 29 جمادى الأول 1430   العدد  13387
المنشود
حائل.. كرم أم شجاعة؟!!
رقية سليمان الهويريني

 

كنت أتحفظ على الكيفية التي يتم فيها التعيين في العمل الحكومي والأهلي لبعض الوظائف التي يكون المعيار فيها هو الشهادة فقط، وأميل إلى اتخاذ الكفاءة معياراً حقيقياً، وذلك بعد أن أصبح من غير المستغرب أن نجد خريجي بعض الأقسام العلمية والنظرية لا يمثلون المهنة الحقيقية التي يعملون بها! حيث إن التخصص لم يكن هو الرغبة أصلاً، وقد لا يتناسب مع الوظيفة.

ولعل مهنة التدريس التي يعمل فيها آلاف المعلمين والمعلمات ليست هي رغبة معظمهم الأصلية، ولكن لعدم وجود وظائف أخرى متاحة كان انضمام هذا الجمع الغفير منهم مجبورين على المهنة العظيمة التي تحولت إلى مهنة مَن لا مهنة له، فظُلم الطلبة والطالبات وأصبحوا عبئاً على الوطن بسبب عدم كفاءة معلميهم، كما أن تخصصاتهم لا تتناسب مع سوق العمل.

أقول ذلك بعدما تابعت عن كثب قيام ثلاثة شباب من مدينة حائل بإنقاذ سيدة كادت أن تتعرض للغرق في السيول التي اجتاحت حائل مؤخراً.

وقد جاء تكريم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لهؤلاء الشباب متوافقاً مع الموقف البطولي الذي قاموا به، بما يدل على شجاعتهم وحرصهم الإنساني، خدمة لدينهم ووطنهم بسعيهم لإنقاذ المواطنة وأولادها.

وهذا التكريم غير مستغرب من لدن خادم الحرمين لحرصه على تأصيل مواقف البطولة والشجاعة في شباب الوطن.

كما أن هذا الموقف الشجاع يؤكد بأن منطقة حائل ليست منبعاً للكرم فحسب، بل وموئلاً للشجاعة أيضاً! وسيذكر الناس الحادثة دليلاً آخر على الشهامة والمروءة لهؤلاء الشباب الذين قادوا منطقتهم للعز والنخوة التي سيحفظها التاريخ لهم.

كما سيسجل في ميزان حسناتهم لحرصهم على حياة المرأة وإنقاذها من الموت المحقق مصداقاً لقوله تعالى:{ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.

اللافت في الأمر هو تعيين هؤلاء الشباب في الدفاع المدني، وهو ما سعدت به حقاً، وتمنيت أن يكون التحاق شبابنا في الوظائف تبعاً للكفاءة وتناسباً مع التكوين النفسي والجسدي لهم مصداقاً للآية الكريمة {..يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} حيث كان والد الفتاتين يحتاج في العمل لهاتين الصفتين: القوة والأمانة.

والوطن يحتاج فيما يحتاج إليه: الشجاعة والإقدام، لا سيما في قطاع الدفاع المدني.

وأرجو أن يكون انضمام هؤلاء الشباب لهذا القطاع المهم والحيوي فيه تحريك للدماء والقلوب والأجساد في إدارة الدفاع المدني التي لا يصل أفرادها في الوقت المطلوب، وقد تصل الفرقة بعد انتهاء الحدث أو بعد وقوع كوارث قاتلة، وقد تتعاطى مع الحدث وظيفياً، بدلاً من تعاملهم معه إنسانياً وبما يمليه واجبهم تجاه المواطنين، وما تعلموه في وطنهم من قيم الدين والمروءة، وبما درسوه وتدربوا عليه من وجوب الشجاعة ومقابلة الموت. فالبطولات لا يصنعها المتفرجون بل ينفذها المتفانون المضحون بأنفسهم، والتضحية أنبل وأسمى عمل إنساني.

فتحية لهؤلاء الشباب وأمثالهم ممن لم يذكرهم الإعلام، وتعساً للجبناء الذين لا يجيدون إلا الجمهرة والفرجة على الحوادث والكوارث!!

rogaia143 @hotmail.Com
ص.ب 260564 الرياض 11342





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد