Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/05/2009 G Issue 13387
الأحد 29 جمادى الأول 1430   العدد  13387
قراءة في مقدمة ابن خلدون
مناقشة فكرة (إتمام عالم الحوادث الفعلية بالفكر) (1-5)
د. إبراهيم العنزي

 

تناول ابن خلدون في مقدمته الكثير من الموضوعات المهمة، منها الفكر والإدراك والحواس والعقل وتعامل الكائن الحي مع بيئته الاجتماعية والطبيعة حيث يصنف ابن خلدون الكائنات إلى ثلاثة أصناف هي: المعدن - النبات - الحيوان. ولكل كائن من هذه الكائنات خصائصه الخاصة به وعناصره المكونة له.

ونجد أن هذا التصنيف تدرج من المعدن الجامد إلى النبات الكائن الحي الذي يفتقد إلى الحواس والإدراك ثم إلى الكائنات الحية التي تنقسم إلى نوعين (البهائم) التي تمتلك الحواس وتفتقد العقل والتفكير، والبشر الذين يملكون الحواس والعقل والتفكير.

- إن الأفعال الصادرة عن البشر مقصودة ومرتبطة بخصائصها التي أودعها الله فيها وهنا يشير إلى العقل عند البشر والذي يوصف بالأفعال المنتظمة والمرتبطة.

- إن الفكر الذي يدرك الترتيب بين الحوادث يكون بالطبع أو بالوضع أي (بالفطرة - أو بالاكتساب).

- ويقول ابن خلدون إن معرفة أسباب الحوادث (الظواهر) وقوانينها يقودنا إلى إدراك هذه الحوادث. وأن لكل حادثة قوانين تحكمها وأنه لا يمكن تجاهل هذه القوانين أو تقديم بعضها على بعض وأن إدراك هذه القوانين يتم بالعقل والذي هو خاصية للبشر، وهذا فيه توافق مع (مبدأ القانون) عند أوجست كونت حينما يقول: الظواهر الطبيعية والاجتماعية في البحث لا تخضع لقوى خارقة ولكنها تخضع لمبدأ القانون.

- ثم يوضح ابن خلدون حركة سير الفكر والتسلسل في الأفكار وانتهائها بالعمل (وأن أول الفكرة آخر العمل) دليل على واقعيتها وقابليتها للتطبيق، فتكون هذه الأفكار ملموسة ومحسوسة. وهذا فيه ربط بين المعطيات الحسية وبين القدرة الفعلية في كشف القوانين.

وكذلك يتفق هذا القول مع (مبدأ الملاحظة) والمشاهدة عند أوجست كونت فكل ظاهرة لا تستطيع مشاهدتها غير قابلة للتفكير الوضعي العلمي.

وهنا نجد أن ابن خلدون يوجد حلاً لأزمة أوجست كونت عندما يقدم نفسه على أنه وضعي ثم بعد ذلك يعيد تطور المجتمع إلى العقل أو الفكر وهو موقف ميتافيزيقي.

ونجد أن في هذا اتفاق مع فلسفة رينيه ديكارت (1596-1650م)والذي تعتمد فلسفته على العقل بما فطر عليه من معان وأفكار للوصول إلى الحقيقة في العلوم، ولكنه يختلف معه في أن ابن خلدون يرى أن إدراك الحقائق مرهون بالحواس وليس مرهوناً بالمنطق وحده كما تقول فلسفة ديكارت.

- أن ما يميز البشر هو العقل وهو محط التكليف لذلك استولت أفعال البشر على عالم الحوادث وسخر له ما على الأرض لخصوصيته.

وهذا (معنى الاستخلاف) وقوله تعالى: (إني جاعل في الأرض خليفة).

- نجد ابن خلدون أقر مبدأ الفروق الفردية والتمايز بين الأفراد في القدرات العقلية وإدراك الناس للحوادث ويضرب مثل لاعب الشطرنج.

وأخيراً وليس آخراً نجد أن ابن خلدون قد أفرد فصلاً كاملاً للحديث عن العقل وأنه مصدر المعرفة وإدراك الحقائق ومعرفة القوانين..إلخ، وقد سبقه الكثير من الفلاسقة والمفكرين بالحديث في هذا الجانب فنجد أن سقراط يرى أن العقل هو وحده مصدر المعرفة التي هي حقيقة ثابتة، وأن وراء هذا العالم عالماًً مثالياً لا يدركه الإنسان بالحواس.

- قسم الفارابي المعرفة إلى: 1- معرفة حسية 2- معرفة عقلية.

- ميز ابن سينا بين عدة مراتب للمعرفة: 1- معرفة المقدمات 2- معرفة المعاني المجردة 3- المعرفة بإشراقة من الله (كمعرفة المستقبل)

- جعل الغزالي للمعرفة ثلاث مراتب: 1- معرفة حسية 2- معرفة عقلية 3- معرفة بالمكاشفة: وهي المعرفة الحقيقية وتدرك بالقلب وهي سر من أسراره ولا علاقة لها بالحواس.

وذلك يعني أن المعارف منها المكتسب ومنها الفطري الذي يحصل بالإلهام، وفي المقابل نجد الماديين الفرنسيين يقولون إن مصادر المعرفة التجربة والخبرة السابقة فقط. وكذلك توماس هوبز الفيلسوف الإنجليزي يقول: إن الإنسان يستمد كل معارفه من العالم المادي. من خلال هذه القراءة في مقدمة ابن خلدون أتمنى أن أكون قد قدمت ما هو مفيد للقارئ وأوضحت ما تحتويه هذه المقدمة من موضوعات ثمينة وأفكار قيمة تثبت أن ابن خلدون له السبق في علم الاجتماع.

والله الموفق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد