Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/05/2009 G Issue 13387
الأحد 29 جمادى الأول 1430   العدد  13387
جيل (الرُّعاة).. في جبل (الرُّماة)..؟!!
حمَّاد بن حامد السالمي

 

تحولت مشادات كلامية بين تلاميذ وطلاب في مجمع مدرسي، يجمع بين المراحل الدراسية الثلاث، إلى مشاجرات لكامية - من اللكم - حيث تدافع المتلاكمون من داخل الفصول إلى ساحة المجمع، ثم ضاقت ساحة المجمع المدرسي بالمتعاركين، إلى أن خرجوا خارجها.

فما كان من فريق منهم، إلا أن برز إلى مرتفع مطل على المجمع هو (جبل الرماة) - وهذا هو اسمه - فتحول المرتفع إلى جبل رماة فعلاً لا قولاً، بعد أن اعتلاه الفريق المحارب، فاستفاد من المكون الجغرافي والطبيعي لجبل الرماة، من جهتين: الأولى ما يُلتقط من حجارته التي تحولت إلى قذائف صخرية، يُرمى بها الطرف المقابل، فيفر وينهزم تحت وقع القصف، والثاني: موقعه المرتفع، الذي جعل منه منطقة تمركز إستراتيجية، فيكشف ساحة الخصم المقابل. وإضافة إلى الاستفادة منه كمنطلق للهجوم، أصبح يوفر للمهاجمين حماية من هجمات الخصم على الطرف الآخر.

* هذه نسخة مكررة لأنها ليست الأولى، وإن كانت الأخطر، فقد وقعت قبل ذلك حالات مشابهة في موقع غير بعيد عن جبل الرماة هذا أكثر من مرة، ثم جاءت نسخة حديثة قبل أيام في مكان آخر، ولحق بها الاعتداء ليلاً، على شاعر شعبي في المكان نفسه تقريباً. وما يجمع بين هذه النسخ العنفية، من اشتجار الطلاب في مدارس ومجمعات مدرسية، أو حتى في بيئاتهم السكنية وفي قراهم، وحملهم على بعضهم البعض بالعصي والسكاكين وبعض الأسلحة الخطرة، وانقسامهم إلى فريقين متحاربين بهذه الصورة البشعة، هو العامل القبلي بكل تأكيد، الذي يأبى أن يموت رغم محاولات التمدين والتحضير، وظل حياً يأكل ويشرب مع الناس في هجرهم وفي قراهم وحتى في مدنهم، الذين يتخذون منها سكناً لهم، وبقي هذا العامل البغيض حياً يرزق، حتى مع جيل حديث خَلَف من كانوا بالأمس حفاة رعاة، فتطاول هو في البنيان نعم، لكنه تقاصر على ما يبدو في الثقافة والحضارة والمدنية.

* إنها هي.. هي ما غيرها.. نزعة الانتصار للقبيلة والعشيرة والأسرة. هي أولاً، ومن بعد ذلك الطوفان، وأي طوفان هو لو كانوا يعلمون..؟!

* من المؤكد، أن الطلاب المئة والخمسين - الذين أداروا معركة جبل الرماة، فلم يفك وطيس معركتهم هذه، سوى رجال الأمن - لم يولدوا وهم يلهجون بأسماء قبائلهم، ويُقبِّحون في أسماء قبائل غيرها، ولم يولدوا وهم يتحزبون ويتعصبون لآبائهم وأجدادهم، ويتكرّهون ويتنفرون لمن سواهم من آباء وأجداد زملائهم الآخرين في القرية أو المدرسة.. التربية في البيت والهجرة والقرية، هي التي ولدت هذا كله، ثم اكتمل النصاب بالانتساب لعشرات المدارس الفضائية، التي تطل على أبناء الهجر والقرى والمدن من أعلى، وهي ترفع رايات شعرية أو شعبية، ثم تتسلل من بين أبيات الشعر الشعبي في العرضة والمحاورات والقلطة وغيرها، إلى بيوت لم تعرف من المدنية غير علب البيبسي وقنوات الشات.

* لماذا تنشب الصراعات، وتحتدم الخلافات، بين طلاب هم في العادة بين السادسة والثامنة عشرة لا أكثر، إذا لم يكونوا ينقلون إلى فصولهم صورة طبق الأصل، مما يدور في قريتهم وفي مجتمعهم، وما يجري بين آبائهم وإخوانهم وأهليهم، ومن ثم يمارسون لعبة إعلامية حربية للتسابب والتشاتم، عبر الكتابة على جدران دورهم، وأسوار مدارسهم، وعلى كل سطح صقيل في بيئتهم، حتى لم يوفروا سطوح الجسور والقصور والصخور، ولم يأنفوا من الكتابة على جدران المساجد، وداخل دورات المياه..؟

* ولماذا ظاهرة العنف هذه بين طلاب وحتى تلاميذ في مدارس، إذا لم يكونوا هم وبعض أسرهم جزءاً لا يتجزأ من ظاهرة الشات على قنوات الشعر الشعبي، وبرامج سباقات مزايين الإبل والماعز وربوع البادية، والكل منا يعرف ما يُعرض وينشر في شريط الشات المتحرك، من بذاءات وسباب وقذع وانتقاص، فإذا أضيف إلى هذا كله، وهو كبير وكثير جداً، ملاغز شعراء القلطة، وما في بطون الشعراء الشعبيين من معان يسربونها لمن يحبون ومن لا يحبون أحياناً، وما بين أشعارهم الهوائية من غمز ولمز وهمز، وما يلحق كل حفلة من هذا النوع، من حط من هذه القبيلة على حساب تلك، أو رفع من قيمة هذه العشيرة على حساب جارتها، حينها ندرك مدى الخطر المتمثل في سطوة العبث الفضائي باسم الشعر الشعبي والأدب الشعبي، ونقف على علة اعتلال جيل الرعاة، الذي استخدم جبل الرماة، للتحصّن والرمي في معركة طلابية على أبواب مجمع مدرسي.

* انظروا إلى هذه الحالة العجيبة، وإلى ما شابهها مما سبقها أو ما سوف يأتي بعدها.. انظروا كيف تقزمت الفكرة المدنية، وانهزمت المدرسة العصرية. المدرسة التي تعلم الدين والأخلاق والآداب، تحولت في ساعة من نهار، إلى ساحة لحرب بين طلابها المئة والخمسين، ثم ظلت وهي تفتح أبوابها كل صباح، تنتظر عودة المتحاربين إلى فصولهم من جديد عدة أيام، وسط محاولات وتحايلات مريرة، هدفها الصلح بين الأطراف الطلابية المتحاربة..!



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد